انتهينا من أقسام الخيار، والفصل الذي بعده عنوانه: (قبض المبيع وتصرفه فيه) بأي شيء يحصل القبض؟ ومتى يصلح التصرف؟ قال رحمه الله: [فصل: ومن اشترى مكيلاً ونحوه لزم بالعقد، ولم يصح تصرفه فيه قبل قبضه] .
كلمة (نحوه) يدخل فيها ما يباع بالوزن وبالعد وبالذرع، فالمكيلات مثل الحبوب، وعادة أنها تباع بالكيل، فإذا اشتريت كومة طعام تمر أو بر أو أرز، وقلت: اشتريت جميع هذه الصبرة كل صاع بخمسة.
وتفرقتما، والبر لا يزال في مكانه، وأعطيته الثمن أو بعض الثمن، فمتى يصح لك أن تتصرف فيه؟ إذا قبضته، وبأي شيء يحصل القبض؟ بالكيل، وهكذا لا يصح لك أن تبيع منه قبل أن تستوفيه، وقد ورد في الحديث: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه) وبأي شيء يحصل الاستيفاء؟ بالكيل، بأن تكتاله، وفي الحديث: (نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري) فمثلاً: إن قلت: اشتريت منك هذه الصبرة، كم هي؟ قال: أنا قد كلتها مائة صاع.
فتقول: أنا لا أقبلها إلا بكيل.
فتكيلها بنفسك، فإذا كلتها دخلت في ملكك، فإذا جاءك إنسان آخر يشتري، فلا يشتريها بكيلك، بل لابد من كيل آخر، فيحصل قبض ما بيع بالكيل بالكيل.
ولا بأس إذا كان المشتري الثاني يشاهدك وأنت تكتالها من البائع الأول، فأراد أن يعطيك فائدة، ويشتريها منك، ولكن لابد من حيازتها إلى رحلك، وقد ورد في حديث ابن عمر أنه قال: اشتريت زيتاً في السوق، فأتاني رجل وأعطاني فيه فائدة أعجبتني، فأردت أن أضرب على يده، وإذا رجل خلفي يقول: لا يجوز.
فالتفت فإذا هو زيد بن ثابت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ؛ فلذلك لابد أن تقبض مرتين، أن يقبضها البائع ثم يقبضها المشتري.
وهكذا -أيضاً- ما يوزن، كما لو اشتريت زبرة حديد أو نحاس أو رصاص أو نحو ذلك مما يباع بالوزن، وكومة الحديد تسمى زبرة، قال تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف:96] (زبر) جمع زبرة، وكومة البر أو الشعير أو الذرة أو الدخن أو الأرز تسمى صبرة، فالحديد يباع بالوزن، ومثله الصوف والقطن واللحوم تباع بالوزن، فإذا رأيت -مثلاً- كومة لحم وقلت: أنا أشتري منك الكيلو منها بخمسة، فمتى يدخل في ملكك؟ لا يدخل إلا بالوزن، تأتي بالميزان وتزنه، فإذا وزنته دخل في ملكك، وصح لك التصرف فيه.
وكذلك ما يباع بالعدد، إذا أتيت إنساناً وعنده كومة من قرع -مثلاً- فقلت: اشتريت منك هذا القرع، كل واحدة بريال.
ففي هذه الحال لابد من عده، ولا يدخل في ملكك ولو سلمت الثمن إلا بعد العد.
وهكذا -مثلاً- ما يذرع، إذا اشتريت بزاً مطوياً على عود أو نحوه من القماش، كل متر بعشرة، متى يصح لك أن تتصرف فيها؟ إذا ذرعتها، فلابد أن تقبضها بالذرع.
يقول: [يحصل قبض ما بيع بكيل كيلاً، وما بيع بالوزن وزناً، وما بيع بالعد عدداً، وما بيع بالذرع ذرعاً، ولابد من حضور المشتري أو نائبه -يعني: وكيله- ووعاؤه كيده، ولو أرسل لك الأكياس وقال: خذها، واجعلها في هذه الأكياس، كل هذه الصبرة.
فوعاؤه كيده، يعني: كأنه قبض ذلك، حيث إنه أرسل الكيس فكلتها -مثلاً-، وأشهدت عليها.
يقول: (وصبرة ومنقول بنقل) الصبرة: كومة الطعام إذا بيعت جزافاً، فلا تباع حتى تنقل من مكانها، يعني: قد يباع الشيء جزافاً كومة، مثلاً: من خضار أو من طماطم أو من بصل، ففي هذه الحال قد يقول: اشترها جملة جزافاً.
كيف يتم النقل؟ وكيف يتم القبض؟ بتحويلها من مكانها، وكذلك كل ما ينقل، فقبض الأكياس بنقلها من زاوية إلى زاوية، وكذلك ما يتناول بتناوله، فقبض الكتاب بأن يمده إلى المشتري ويتناوله، فيدخل في ملكه.
وما لا ينقل -كالبستان أو البيت- قبضه بتخليته.