النوع الخامس: خيار العيب، وتعريفه: هو ما ينقص قيمة المبيع كمرضه وفقد سن أو عضو وزيادتهما، وزنا الرقيق وسرقته وإباقه وبوله في الفراش، هكذا يمثلون، والأمر أعم من ذلك، فالعيب: هو ما ينقص قيمة المبيع، فإذا اشترى الثوب، وبعدما اشتراه وجد فيه خرقاً أو خروقاً، استحق الرد؛ لأن هذا عيب، وكذلك إذا اشترى كيساً من القمح ثم وجد فيه دابة قد أفسدته، أو وجد فيه أخلاطاً من شعير أو نحوه، فهذا يعتبر عيباً، فله رده، أو اشترى بعيراً ووجده أعور أو وجده مريضاً، وكذلك إذا اشترى شاة ووجدها مصراة، أي: قد حبس لبنها في ضرعها يومين أو ثلاثة أيام، إلا أن المصراة ورد أن الخيار فيها ثلاثة أيام، وأنه إذا ردها يرد معها صاعاً من طعام من تمر أو نحوه عوضاً عن اللبن الذي كان فيها وقت شرائه لها.
أما إذا كانت مريضة فإن له الخيار، أو عوراء أو عرجاء فإن له الخيار، وهاهنا الخيار للمشتري، وإذا وجد البيت قد تصدعت منه الحيطان اعتبر هذا عيباً، وإذا وجد الأرض رديئة، وهو يعتقد أنها طينة، فإذا هي لا تصلح للغرس ولا للزرع، اعتبر هذا عيباً، فله أن يردها، وهكذا جميع العيوب، إذا وجد -مثلاً- في الإناء طروقاً، أو وجده متكسراً فإن هذا عيب، فله أن يرده.
فالحاصل: أن العيب كل ما ينقص قيمة المبيع.
وذهب بعضهم إلى أن الخيار على التراخي، ولعل الأقرب أنه على الفور، فإذا علم المشتري بالعيب فله الخيار بين أمرين: أن يطلب الأرش أو يرد المبيع.
والأرش: هو قيمة ما بين الصحيح والمعيب، فيقول -مثلاً-: أنا اشتريت الشاة بمائة، وذبحتها وتبين فيها عيب -مريضة أو نحو ذلك- والآن فاتته، فيقال: كم تساوي وفيها ذلك المرض؟ قالوا: تساوي ثمانين ريالاً، وأنا اشتريتها بمائة، فالفرق الخمس، فيرد عليه الخمس، وهكذا لو ماتت عند المشتري، وتبين أن موتها بسبب المرض، فيقال: كم قيمتها مريضة؟ وكم قيمتها سليمة؟ فينظر الفرق، فيدفعه البائع للمشتري، وهكذا لو قال -مثلاً-: إني لبست الثوب، وقد استعملته، ووجدت فيه خروقاً أو تمزقاً، فيقال: كم قيمته صحيحاً؟ قيمته عشرون، كم قيمته بهذه العيوب؟ خمسة عشر، فالفرق الربع، ويسمى هذا: الأرش، وهو فرق ما بين قيمة الصحة والعيب، ولا يجوز والحال هذه أن يستعمله وقد عزم على رده، فإذا عزم على رده فإنه يوقف استعماله، فيخلعه إن كان ملبوساً، ويوقفه إن كان مركوباً، أو كان مشروباً وما أشبه ذلك، وإذا كان قد أكل من الكيس فإنه يتوقف، ويقدر ما أكله، فيقول: أكلت منه ربعه أو ثلثه -أو ما أشبه ذلك- ولا أريد الباقي، خذه -أيها البائع- لأنك خدعتني.
فله أن يرده ويأخذ الثمن، أو يمسكه ويأخذ الأرش.
وهنا قد يحصل الاختلاف: فإذا قال البائع: هذا العيب حصل عندك، أنت الذي أحرقت الثوب، أو أنت الذي كسرت الزجاج -مثلاً- أو قد تصدع عندك، أو هذه الدابة ما عرجت إلا عندك، أو ما فقئت عينها إلا عندك، والمشتري يقول: بل هذا عيب قديم قبل أن أشتريها، ففي هذه الحال يكون الحكم بأن يحلف المشتري أنه اشتراها وفيها هذا العيب، وأنه عيب قديم، فيحلف المشتري أني اشتريتها وفيها هذا المرض، أو وفيها هذا التكسر، أو وفي الجدار هذا التصدع، وبعد حلفه له أن يرده، وله أن يأخذ الأرش.
وإذا تلفت العين المعيبة فإنها من ضمان المشتري، ويرد البائع عليه القسط الذي بين الصحة والعيب، يعني: أرش العيب.
وإذا وجدت قرينة تدل على أن العيب حصل عند أحدهما عمل بها، فإذا كان الجرح يسيل عرف بأنه حدث عند المشتري، وإذا كان -مثلاً- بياض في العين عرف أنه عند البائع، فإذا وجدت بينة لأحدهما عمل بها، سواء بينة تشهد بأنه قديم أو أنه حادث، فيعمل بالبينة، ولا تستعمل اليمين إلا عند عدم البينة، والملك في هذه الحال للمشتري، إلا أنه إذا عزم على الرد فإنه يتوقف عن استعمالها كما ذكرنا.
بقي عندنا: خيار التخبير، وخيار الاختلاف، وكذلك ما يحتاج إلى حق توفية، نؤجلها ونستمع إلى بعض الأسئلة.