قال: [إن جمع بين شرطين بطل البيع] ؛ لأنه ورد في الحديث (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، وعن شرطين في بيع) ، وقال: (لا شرطان في بيع) وهذا الحديث أشكل على كثير من العلماء، وتوقف كثير منهم وتورعوا عن هذه الشروط، وورد -أيضاً- حديث بلفظ: (نهى عن بيع وشرط) ، ومع ذلك فالصحيح أنها تجوز الشروط التي من مصلحة العقد، وقد ثبت في الصحيح أن جابراً باع جمله على النبي صلى الله عليه وسلم، واشترط حملانه إلى المدينة، وهذا شرط من مصلحة البائع، أي: لمصلحة جابر، فهو دليل على جواز جنس الشروط إذا كان فيها مصلحة، والشرع لا ينهى عن شيء فيه مصلحة وليس فيه مضرة.
وحديث: (ولا شرطان في بيع) نلتمس له صورة تنطبق عليه، فيحمل على شرطين باطلين؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ، ويراد بـ (كتاب الله) شرع الله، أي: كل شرط مخالف لشرع الله فهو باطل، فعلى هذا إذا قال: اشتريت منك الدابة بشرط أن تكون هملاجة ولبوناً.
فهل هذان شرطان؟ الصحيح أنه جائز، والهملاجة: المذللة، واللبون: ذات اللبن، والمعنى: أنه اشترط فيها صفة فيها منفعة، فهي صفة ينتفع بها هذا المشتري، فلا محذور في ذلك، وكذلك يجوز على الصحيح أن يقال: اشتريت منك هذا القماش بشرطين: أن تفصله وأن تخيطه.
فهذا من مصلحة المشتري، ولا محذور في ذلك، خلافاً لما فهمه كثير من الفقهاء، وكذلك لو قال: اشتريت منك الحطب بشرط أن تحمله ثم تكسره.
فهذان -أيضاً- من مصلحة المشتري؛ وذلك لأنه قد يشق عليه حمله وتكسيره، فله في ذلك مصلحة، ولا محذور في ذلك.
وعلى هذا كيف يحمل حديث: (لا شرطان في بيع) ؟ يحمل على أن المراد الشرطان الفاسدان اللذان ينافيان مقتضى العقد، كأن يشترط -مثلاً- أن لا خسارة عليه، أو يشترط أن الولاء له، أو ما أشبه ذلك من شروط تنافي مقتضى العقد، ويمكن أن يدخل في ذلك -أيضاً- الشروط الربوية التي توقع في المحظور من الربا ونحوه.
والحاصل: أن هذه الأنواع شروط صحيحة، سواء كانت شروطاً من مقتضى العقد، أو شروطاً من البائع كسكنى الدار شهراً، أو حملان البعير إلى موضع معين، أو من المشتري كحمل الحطب وتكسيره، وخياطة الثوب وتفصيله، وكذلك صفات المبيع ككون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً، والأمة بكراً، والدابة هملاجة أو لبوناً، وهكذا الصفات في المبيع.