ذكروا أن الصحيح ثلاثة أنواع: الأول: شرط مقتضى العقد.
الثاني: شرط البائع.
الثالث: شرط المشتري.
والشروط الأصل أنها صحيحة، ودليل ذلك الحديث المشهور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فدل على أن الشروط كلها معتبرة إلا إذا خالفت الشرع.
فمثال شرط مقتضى العقد -وهو لم يذكر هنا-: لو اشترط شرطاً لا أهمية له، كأن يقول: اشتريت منك الثوب بشرط أن ألبسه، أو أهديه، أو لولدي، واشتريت منك الدابة بشرط أن أتمكن من حلبها، أو من ركوبها إذا كانت مركوبة، أو من ذبحها إذا كانت مما يؤكل، واشتريت منك الدار بشرط أن أسكنه أو أؤجره، أو أسكن فيه أولادي كل هذا لا حاجة إليه؛ لأنك إذا ملكته فلك التصرف فيه، إذا ملكت الكتاب فلك أن تنسخه، ولك أن تقرأ فيه، ولك أن تعيره من يقرأ فيه، ولك أن تبيعه، ولك أن تورثه من بعدك، فقد ملكته، وإذا اشتريت الثوب فقد ملكته، فلك أن تلبسه، ولك أن تكسوه أحد أولادك أو من تريد، ولك أن تبيعه، فقد دخل في تصرفك، فهذا النوع الأول يسمونه: شرط مقتضى العقد؛ لأن العقد يقتضي ملكية المشتري للسلعة، ويقتضي ملكية البائع للعوض، وهو الثمن الذي بذلته للبائع قد دخل في ملكه، فهذه الدراهم ثمن هذا الثوب أو الكيس قد ملكها، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء.
أما شروط البائع فالبائع قد يكون محتاجاً للسلعة، فيقول: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً، يعني: أنه بحاجة إلى سكناه هذه المدة، أو سنة -مثلاً-؛ فله ذلك، أو يقول: بعتك السيارة بشرط أن تبقى معي خمسة أيام أنقل عليها رحلي أو نحو ذلك، فهذا شرط له فيه مصلحة، أو قال: بعتك الكتاب بشرط أن أستعيره منك لمدة خمسة أيام أقرأ فيه أو نحو ذلك، فيشترط البائع منفعة في المبيع، وتكون تلك المنفعة مباحة، أما إذا كانت لا تباح فلا يجوز، فلو قال: بعتك الأمة بشرط أن تمكنني من وطئها شهراً أو يوماً، فلا يجوز؛ وذلك لأنها لما انتقلت من ملكه حرم عليه وطؤها، وكذلك الشروط التي فيها شيء يدخل في الحرام، ومنه إذا قال: بعتك الشاة بشرط أن تقرضني مائة.
فإن هذا قرض جر نفعاً فيكون ربا؛ لما ورد في بعض الأحاديث: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) فمثل هذه شروط باطلة.
والشروط التي من قبل المشتري: إما صفة في المبيع، وإما خدمة من البائع، فالصفة مثالها أن يقول: اشتريت منك العبد بشرط أن يكون كاتباً.
فإن هذه الصفة تزيد في قيمته، أو الأمة بشرط أن تكون بكراً، أو الدابة بشرط أن تكون هملاجة أو ذات لبن، فهذا ونحوه يصح لأن فيه منفعة للمشتري؛ لأنها إذا فقدت ثبت له الخيار، فإذا اشترى الدابة ولم يجد فيها اللبن جاز له ردها، أو وجدها شروقاً شروداً وقد اشترط أن تكون هملاجة -يعني: مذللة- معسوفة، فإن هذا يفوت عليه منفعة، وكذلك إذا شرط صفة في المبيع له فيها منفعة.
ومن الشروط التي للمشتري إذا اشترط على البائع: خياطة الثوب أو تفصيله، كأن يقول: اشتريت منك هذه القطعة القماش بشرط أن تفصلها، أو بشرط أن تخيطها، فإن هذا فيه مصلحة للمشتري، أو يقول: اشتريت منك هذه الحزمة الحطب بشرط أن توصلها إلى المنزل، أو بشرط أن تكسر أعواد هذا الحطب، فإن هذا -أيضاً- فيه مصلحة للمشتري، وهكذا إذا اشترط عليه حمل الكيس فقال: اشتريت منك هذا الكيس بشرط أن تحمله إلى سيارتي أو إلى بيتي، ولا شك أنه يزيد في الثمن مقابل أجرة إيصاله؛ وذلك لأن العادة أن هناك قيمتان: قيمة للكيس، وأجرة لإيصاله إلى المنزل، فمعلوم أنك إذا اشتريت كيسين: كيس ستحمله أنت، والكيس الثاني سيحمله البائع معك إلى منزلك الذي يبعد -مثلاً- عن المستودع هذا حوالى نصف كيلو؛ فلا شك أنه سيزيد عليك في قيمة الكيس الذي يحمله، ولكن يعتبر هذا شرطاً إذا اشترطت أن يوصله.
فالحاصل: أن هذه شروط صحيحة.