هل يجوز نقل الزكاة إلى بلاد أخرى؟ أكثر الفقهاء على أنها لا تنقل إلى مسافة قصر، يعني: إلى مسيرة يومين بسير الإبل، بل تفرق في البلد الذي فيه المال؛ وذلك لأن الفقراء فيه يتشوفون إلى حقهم في هذا المال، فإذا نقلت إلى بلاد أخرى كان في ذلك تفويتاً لحقهم، وإساءة الظن بأهل هذا المال، فيظنون أنهم لا يزكون، ويقولون: كيف زكوا ونحن فقراء ولم يأتنا شيء منها؟! فهذا هو السبب.
واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فإن ظاهره أنها تؤخذ من هذا وتعطى لهذا في الحين وفي الحال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل السعاة فيأمرهم أن يفرقوها على الفقراء في حينها، فإذا لم يجدوا أحداً من الفقراء جاءوا إليه بما بقي.
ولعل الصواب: أنه يصح نقلها للمصلحة، ومعروف أنه عليه السلام كان يرسل الجباة ليأتوا إليه بالزكاة، وأن أولئك الجباة كانوا يأتون فيقولون: هذه هي الزكاة التي جمعناها، فيفرقها على أهل المدينة أو على أهل البوادي وغيرهم.
وفي حديث ابن اللتبية أنه قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي) ، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبول الهدية، مخافة أنه تغاضى لأجلها عن بعض الحقوق، وقال: (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً) .
فدل على أن الواقع أنهم كانوا يأتون بها إليه، ولا شك أنهم كانوا يفرقون بعضها، ولكن الغالب أنهم يأتون بأكثرها، ولعل السبب في ذلك: أن أهل تلك البوادي أغنياء وعندهم أموال، فإذا جبيت من هؤلاء البوادي وليس فيهم فقراء فإنها تجمع ويؤتى بها إلى الإمام ثم الإمام يتولى توزيعها أو يدخلها في بيت المال، والواقع في هذه الأزمنة أن الجباة والعمال يوجهون ويقال لهم: أعطوا فلاناً، وأعطوا فلاناً، وأعطوا فلاناً؛ فيعطون بحسب تلك الأسماء، وما بقي فإنهم يأتون به ويدخلونه في بيت المال، ولا شك أن من دفعها إلى ولي الأمر برئت ذمته؛ لأن بيت المال مجمع الأموال التي تجبى من كل جهة وتصرف في مصالح المسلمين.