زكاة الخارج من الأرض ونصابها

أما زكاة الخارج من الأرض وهو الثمار والحبوب، فقد اختلف في الخارج من الأرض: هل يزكى كل ما يخرج من الأرض أم لا يزكى إلا بشرطه؟ فالمختار عند الإمام أحمد أنه لا يزكى إلا ما يكال ويدخر من الثمار والحبوب، فالكيل هو المعيار بالصاع ونحوه، والادخار هو الحفظ، أي: يحفظ ولا يفسد ولو طالت المدة، فمثلاً التمر يدخر فيبقى سنة ولا يتغير، وكذلك الزبيب يدخر ويكال أيضاً، وكذلك الشعير والدخن والذرة والأرز وما أشبه ذلك، فهذه تكال وتدخر، فعلى هذا القول لا زكاة فيما لا يدخر ولو جني منه أثمان كثيرة، فلا زكاة في الفواكه كالتفاح والموز والكمثرى، وكذلك البطيخ بأنواعه، ولا زكاة في الخضار كالقرع والكوسة والطماطم والبصل؛ وذلك لأنه لا يتم الانتفاع بها في المآل، لأنها لا تدخر.

ولو أنها في هذه الأزمنة تدخر بواسطة الثلاجات وتبقى مدة، فمثلاً: البطاط والطماطم والخيار والكوسة وما أشبهه قد يبقى أشهراً في الثلاجات ولكن يكلف كثيراً، بما يصرف عليه من الكهرباء ونحوه، فلأجل ذلك تسبب تكلفته هذه أنه لا زكاة في عينه وإنما الزكاة في ثمنه إذا حال عليه الحول، ويعتبر ككسب يستقبل بثمنه حولاً.

وخالف في ذلك الحنفية، واختاروا أن جميع الخارج من الأرض يزكى، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر) .

وصلى الله عليه وسلم أن هذا وإن كان عاماً لكن نظرنا في العلة فإن هذه الفواكه لا يتم الانتفاع بها انتفاعاً كاملاً، والغالب أن أهلها يأكلونها، فيأكلون البطيخ أو يبيعون منه شيئاً يسيراً في حينه، ويأكلون التفاح والبرتقال والأترج أو الليمون ولا يدخرونه ولا يكون عندهم منه شيء كثير، وإن كان بعضها قد يجفف مثل التين فإنه يجفف وينتفع به، وكذلك الطماطم يجفف وينتفع به في المآل، فإنه والحال هذه إذا بلغ الذي جفف نصاباً فإنه يزكى.

والنصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً، فالخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، وقدرت بالرطل الدمشقي: ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلاً وستة أسباع رطل بالرطل الدمشقي، أو بما يعادله، والأصل أنها خمسة أوسق، وأن الوسق ثلاثمائة صاع، ثم الصاع على الصحيح خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وذهب أبو حنيفة إلى أنه ثمانية أرطال.

ويشترط في وجوبه: ملكه وقت الوجوب وهو وقت اشتداد الحب وبدو صلاح الثمر، فإذا باعه بعدما اشتد حبه، فهل الزكاة على المشتري أو على البائع؟ على البائع؛ وذلك لأنها وجبت عليه قبل أن يخرجه من ملكه، ولا زكاة على المشتري إلا إذا باعه وحصل من ثمنه على نصاب وتم الحول.

وكذلك النخل إذا بدا صلاحه، يعني: احمر أو اصفر فباعه صاحبه فالزكاة على البائع؛ لأنها وجبت فيه وهو في ملكه.

ثم لا يلزمه إخراجها إلا بعد أن يصفيه ويجعله في البيدر، يقول: (لا يستقر الوجوب إلا بجعلها في البيدر) كان أهل الزرع يلوطون مكاناً خاصاً يسمونه (البيدر) ويسمى عند العامة (البوع) ، وهو الذي يدوسون فيه الزرع ويصفونه فيه، فيقول: ما دام أنه في سنبله فإنه عرضة للهلاك، وربما يأتيه سيل وربما يأتيه جراد، وربما تأتيه ريح تسفي عليه أو تقلعه فلا يطالب بإخراج الزكاة إلا إذا حصده وجمعه في هذا المكان المهيأ لأن يصفى فيه، فإذا جعل في (البيدر) استقر الوجوب.

ثم قالوا: الواجب نصف العشر فيما سقي بآلة، والعشر فيما سقي بالمطر وثلاثة أرباعه فيما سقي بهما (أي: بالآلة وبالأمطار) وإن تفاوتا اعتبر الأكثر، ومع الجهل العشر، وقد ورد قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) وذلك لأن الذي يسقى بالمطر أو يسقى بالأنهار النابعة من الأرض تخف المئونة عليه، فإذا كان يسقى بالدلاء أو يسقى بالمكائن والمضخات التي تستخرج الماء من أجواف الآبار فإنه يكلف وقوداً ويكلف قطع غيار، ويكلف عاملاً ولأجل ذلك تخفف فيه الزكاة، فيكفي إخراج نصف العشر، فإن سقي نصف السنة بماء السماء والنصف الثاني بماء الدلاء فثلاثة أرباع، وإذا تفاوتا نظر إلى الأكثر، فإذا كان ثلاثة أرباع السنة يسقيها بالدلاء، والربع الباقي جاءت السيول وصارت تشرب بعروقها فإنه يقدر ثلاثة أرباع العشر، وإذا جهل فلا يدرى أيهما أكثر فالأولى أن لا ينقص عن العشر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015