يقول: (إذا رجع شهود مال قبل الحكم لم يحكم، وبعده لم ينقض، ويضمنون) ، وكذلك أيضاً دية ما فات بسببهم، فإذا قالوا مثلاً: يا قاضي! نحن شهدنا أن فلاناً عنده دين لفلان، والآن تراجعنا، لا ندري يمكن أنه فلان ويمكن أنه غيره، ففي هذه الحال لا شك أنه لا يحكم الحاكم، فالشاهدان قد تراجع كل منهما عن شهادته.
وأما بعد الحكم فالحكم لا ينقض؛ وذلك لأنه بني على بينة، ولكن هذا الشاهد الذي بني على شهادته يغرم ما حصل بشهادته، كيف يغرم؟ إذا قالوا مثلاً: نشهد أن هذا هو القاتل الذي قتل فلاناً، ثم إن ذلك الشخص قتل ثم ندموا وقالوا: كذبنا ليس هو القاتل، القاتل ولا نعرفه، أو القاتل غيره، فما الحل؟ يقتلون إلا أن يقبل أولياء المقتول الدية؛ لأنهم تسببوا في قتل هذا الإنسان، وإذا شهدوا عليه في قطع يد، وقالوا: نشهد أن هذا هو الذي قطع يد زيد، وقطعت يده قصاصاً، وبعد ذلك تراجعوا وقالوا: ندمنا، نحن لا ندري، أو ليس هو ولكنه غيره، فيضمنون اليد؛ لأنهم السبب في قطعها؛ ولأن تراجعهم وقع بعدما تم الحكم.
وهكذا أيضاً إذا كان المشهود به مالاً، إذا شهد شاهدان أن فلاناً عنده ألف لزيد، وألزمه الحاكم ودفعها، ولما دفعها تراجع الشاهدان وقالا: رجعنا، هل الحاكم ينقض الحكم فيقول: يا فلان! رد الألف فإنها ليست لك، شهودك كانوا شهود زور وقد تراجعوا؟ ليس له نقضه، وليس له رده؛ ولكن يضمنان، فالشاهدان هما السبب، فيغرمان هذا المال، فالحاكم يبني حكمه على شهادتهما.
كان شريح يقول لبعض من يوصيهم: القضاء جمرة، فإياك أن تمسها إلا بعودين، والعودان هما الشاهدان، يعني: قدر هذه القضية جمرة، فلو مسستها بيدك أحرقتك، ولكن لو قبضتها بعودين ورفعتها ما أحسست بذلك، فالشاهدان هما العودان.