يشترط تحرير الدعوى، وتحريرها يعني: تشخيصها، أما إذا قال: لي عليه حق، أو لي عليه مظلمة، فلا بد أن يبين ذلك، فلا يقول مثلاًً: عنده لي أرض، أو عنده لي عقار؟ فلا بد أن يحرر ذلك وأن يبينه وأن يذكر أوصافه، فيقول: إني أملك الأرض الفلانية، وإنه اعتدى عليّ وأخذ منها نصفها، أو ربعها، وتقع في البلدة الفلانية، أو أدعي عليه أنه أخذ من غنمي شاة، وصفتها كذا وكذا، من ضأن أو من معز، وأنه انتهبها أو ذبحها، أو أدعي عليه أن عنده لي ديناً قدره من الدراهم كذا، أو من الدنانير كذا وكذا، وأنه بخسني حقي، أو أدعي عليه أنه ضرب ابني ضربة بكذا وكذا، أو قلع سناً منه، أو فقأ عيناً منه، أو قطع إصبعاً من يده اليمنى أو اليسرى، أو ما أشبه ذلك، فهذه دعوى محررة، بخلاف ما إذا قال: لي حق ولم يبين، أو دين ولم يذكر مقداره، أو مظلمة ولم يسمها، أو عقار ولم يحرره، فلا بد من تحرير الدعوى.
ويشترط علم مدعى به إلا فيما نصححه مجهولاً كوصية، والمدعى به هو الحق، فيقول: أدعي عليه مائة ريال، أدعي عليه شاة أدعي عليه كذا دراهم قيمة ثوب، أدعي عليه أنه ضربني أو ضرب ابني، فلا بد من علم المدعى به وتحديده، ويتسامح إذا كان الشيء مما يصحح وهو مجهول، فإذا قال: إنه أخذ مني من البقالة مالاً لا أذكر عدده، ولكن هو أخذه مني في عدة أيام.
وفي هذه الحال يسمع منه، ويكون العدد عند الآخذ أو عند المأخوذ منه أو يصطلحان، وكذلك إذا قال: إن أبي أوصى لي بوصية وجحدها، أوصى أن يعطوني من المال وصية، ولا أدري هل هي الثلث أو الربع أو العشر أو مائة أو ألف؟ أوصى لي وصية ثم جحدني الوصية، والوصية تصح بالمجهول كشيء أو مال أو جزء أو سهم كما تقدم.
يقول: (فإن ادعى عقداً ذكر شروطه) : هذا من التحرير، إذا قال مثلاً: إني اشتريت منه سيارة فلا بد من ذكر شروط البيع، هل السيارة ملك لك؟ هل كانت السيارة معلومة؟ هل باعك ما لا يملك؟ هل الثمن معلوم أو مجهول؟ هل هي موجودة عنده أو ليس بموجودة؟ لا بد من ذكر شروطه.
وكذلك لو ادعى نكاحاً قال: أدعي عليه أنه زوجني ابنته أو أخته، لا بد أن تذكر الشروط فتقول: هي أخته، وهو وليها، وأنا دفعت له المهر، وهو أوجب، وأنا قبلت، وإننا أشهدنا فلاناً، أو عقد لنا فلان الذي هو مأذون، وتمت الشروط، ففي هذه الحال تقبل الدعوى؛ لأنها أصبحت محررة.
كذلك إذا ادعى إرثاً وذكر سببه فقال: إن عندهم لي ميراثاً، وأنا وارث من جملة الورثة، فيقال له: اذكر السبب، لأي سبب ترث، بنسب أو بنكاح أو بولاء، هل الميت أخوك، أو أخوك لأم، أو الميتة أمك، أو زوجتك؟ اذكر السبب.
قال: (أو محلى بأحد النقدين قومه بالآخر، أو بهما فبأيهما شاء) إذا ادعى مثلاً سيفاً محلى، أو خنجراً محلى كقوله: عنده لي سيف محلى بذهب، أو خنجر محلى بذهب، ففي هذه الحال كيف يقوم ذلك السيف المحلى بأحد النقدين: يقوم بالدراهم، أو يقوم بالدنانير، إن كان محلى بالذهب لا يقوم بالذهب؛ لئلا يقوم ذهب بذهب فيكون متفاوتاً، بل يقوم بالدراهم (الفضة) ، وإذا ادعى أنه محلى بفضة، وقال: أريده محلى بفضة، وادعى صاحبه أنه قد فات مني، أو بعته، أو نحو ذلك، فإنه يقوم بالنقد الآخر، فالمحلى بالذهب يقوم بالفضة، والمحلى بالفضة يقوم بالذهب.
أو يقوم بهما، فإذا قال مثلاً: محلى بذهب وفضة ما قال: محلى بأحدهما، بل محلى بهما، أي فيه ذهب وفضة، ففي هذه الحال يقومونه بأيهما شاء.
إذا حرر الدعوى ووصفها وصفاً دقيقاً ففي هذه الحال إما أن يقر الخصم أو يجحد، فإذا أقر الخصم حكم عليه الحاكم بسؤال المدعي، إذا قال: أنا أدعي عليه بدين، والدين الذي لي قدره ألف ريال قيمة مبيع، أو قيمة متلف، سأل القاضي: ماذا تقول في دعوى خصمك؟ فإذا قال: صدق، عندي له كذا وكذا، وقال المدعي الثاني: احكم عليه أن يدفعه، حكم عليه بسؤال المدعي.
هذا في حالة الإقرار، أما إذا أنكر فقال: كذب، ليس عندي له شيء، ولا أعرفه، ولا اشتريت منه، ولا اشترى مني، ولا تعاملنا، ولا بيننا معرفة، ولا بيننا دعوى، ماذا يفعل؟ تعرفون الحديث الذي في الأربعين النووية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) ، وفي رواية البخاري: (أنه قضى باليمين على المدعى عليه) ، المدعى عليه هو المنكر.