ورد في صلاة الوتر ما يدل على تأكدها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتروا يا أهل القرآن) ، وقال: (من لم يوتر فليس منا) ، وقال: (الوتر حق، من شاء أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليفعل، ومن شاء أن يوتر بخمس فليفعل) فهذا يدل على أنها مؤكدة وليست واجبة، خلافاً للحنفية فإنهم يرون أنها فرض كالصلوات الخمس.
والصحيح أنها نافلة مؤكدة؛ وذلك لقوله عليه الصلاة السلام: (إن الله افترض عليهم خمس صلوات) ولم يذكر غيرهن، فدل على أن ما زاد فهو نفل.
والوتر من آكد السنن، وسببه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى وتر يحب الوتر) ، ختمت صلاة النهار بوتر وهي المغرب، وكذلك صلاة الليل.
ووقت الوتر ما بين العشاء والفجر، تقول عائشة (من كل الليل قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهى وتره إلى السحر) .
وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، أي: وما زاد عليها يعتبر تهجداً، فإذا أراد أن يتهجد فينوي إحدى عشرة ركعة وتراً كما سيأتي، والزائد الذي قبلها يعتبره تهجداً، فيصليها مثنى مثنى، فإن الوتر يسلم فيه من كل ركعتين على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى) .
وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين، ركعتين بسلام، وركعة بسلام، هذا أدنى الكمال، والواحدة مجزئة.
والقنوت في الوتر مستحب، ولكن لا يستحب المداومة عليه؛ لأنه لم يكن عليه السلام يداوم عليه، ولكنه علم الحسن، وعلم علياً رضي الله عنهما، الدعاء بقوله: (اللهم اهدنا فيمن هديت) هذا من رواية الحسن، والدعاء بقوله: (اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك) إلى آخره هذا من رواية علي، فقد علمه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك) .
ثم بعده يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في الزيادة على هذا المقدار، والصحيح أنه يجوز في المناسبات كالليالي التي ترجى كليلة القدر، وكذلك أيضاً الليالي الشهيرة كليلة الجمعة ونحوها، فيستحب أن يكثر من الدعاء؛ لأنه مندوب، والله تعالى يحب من عباده أن يبالغوا في دعائه، وفي الحديث: (من لم يسأل الله يغضب عليه) ، والله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، فيجوز أن يزيد مثل قوله: (اللهم اقسم لنا من خشيتك) إلى آخره، وغير ذلك من الأدعية ولو لم تكن مأثورة إذا كانت مشتملة على فضل وخير.
وبعد ذلك يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ورد في الحديث: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم) .
والمأمومون يؤمنون بعد كل جملة يقف عليها الإمام، يقولون: آمين، والإمام يجمع الضمير فيقول: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وإذا كان منفرداً يقول: اللهم اهدني إلى آخره.
قوله: ويمسح الداعي وجهه بيديه مطلقاً أي: كل من دعا بدعاء ورفع يديه فإن يمسح بيديه وجهه.
ومن أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين، وفيه أحاديث كثيرة، قيل: إنها بلغت سبعين حديثاً، وفيها تأليف للمنذري، وجمع منها السيوطي اثنين وأربعين حديثاً عن جماعة من الصحابة، ورسالة السيوطي اسمها: فضل الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء، وهي محققة ومطبوعة، وتدل مجموعها على أن رفع اليدين متأكد في الدعاء، وأنه سبب من أسباب الإجابة، ومنها حديث سلمان: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً) .
وأما حديث أنس: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في الاستسقاء) فيريد المبالغة، فإنه كان إذا استسقى على المنبر رفع يديه حتى تكون على رأسه مبالغة في ذلك، فأما في حال الدعاء مطلقاً فإنه يرفعهما إلى صدره، وقد ورد ذلك في حديث: (أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفعها أكثر من الصدر) .
أما مسح الوجه باليدين فورد فيه أحاديث، وذكر الحافظ منها حديثاً له شواهد في آخر بلوغ المرام، وذكر أنه بإسناد حسن، وبالتتبع بلغت سبعة أحاديث عن سبعة من الصحابة، كان يرفع يديه ويمسح وجهه بيديه بعد الدعاء، والذين أنكروه كأنهم لم يتتبعوا طرق الأحاديث.
أيضاً ورد مسح الوجه عن كثير من الصحابة من فعلهم، فقد كانوا يمسحون وجوههم بأيديهم بعد الدعاء، وذكر الحكمة صاحب سبل السلام فقال: إنه إذا رفع يديه فلا بد أن يكون بهما خير ورحمة وغفران، فأولى أعضائه بهذه الرحمة وجهه، فيمسح وجهه حتى يبيض وجهه يوم تبيض وجوه.