قطاع الطريق هم الذين يقفون في الطرق، ويقتلون من مر بهم أو ينهبونه أو ما أشبه ذلك، يقفون في بعض الطرق التي هي قليلة السالكين لا يأتيها إلا أناس قليل، فإذا جاء إنسان ليس معه أحد أوقفوه وأكرهوه على أن يأخذوا ما معه من المال، فإن دافعهم قتلوه وأخذوا المال، فإن كانوا جماعة قاتلوهم إلى أن يأخذوا ما معهم من المال، وقد يكون أيضاً قصدهم سيئاً وهو الزنا بمن معهم من النساء، بأن يكرهوه على أن يخلي بينهم وبين النساء ليزنوا بهن، يحدث هذا أيضاً كثيراً، فإما أن يقتلوا الرجل، وإما أن يوثقوه رباطاً ويتمكنوا من المرأة أو من النساء، فيعتبرون قطاعاً، ونزل فيهم قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] .
وذهب بعض العلماء -كالمالكية- إلى أن الإمام مخيّر؛ لأن الآية فيها لفظ (أو) ، فإما أن يقتل، وإما أن يأسر ويوثق ويسجن، وإما أن يقطع، وإما أن ينفي: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] ، فدل ذلك على أنه مخيّر؛ لأن لفظة (أو) للتخيير، كما في قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] .
وذهب الإمام أحمد إلى أن العقوبة على قدر الذنب، وروي ذلك عن ابن عباس.
يقول: [من منهم قتل مكافئاً أو غيره كولد وأخذ المال قتل ثم صلب مكافئاً حتى يشتهر] .
قوله: [مكافئاً] يعني: إذا كان حر قتل حراً.
يعني: حر مسلم قتل حراً مسلماً.
أما إذا قال: أنا ما قتلت إلا عبداً ففي هذه الحال يغرم قيمة العبد، وكذلك إذا قال: أنا ما قتلت مسلماً إنما قتلت كافراً، هذا الذي قتلته ليس بمسلم.
نقول: إنه معاهد وقتلك له يعتبر اعتداء، ولكن حيث إنه جاء الحديث: (لا يقتل مسلم بكافر) فإنه -والحال هذه- لا يقتل، ولكن يعزر ويسجن ونحو ذلك.
فالحاصل أنه إذا كان قتل مسلماً حراً أو قتل ابنه -مثلاً- ولو كان صغيراً أو قتل امرأته أو نحو ذلك فإنه إذا قتل وأخذ المال يجمع له بين العقوبتين، فيقتل ثم يصلب، يصلب على سارية أو على خشبة في السوق يومين أو ثلاثة أيام وهو مصلوب بعدما يقتل حتى يشتهر أمره وحتى يعرفوه.
ومنهم من ينصب الرأس، فإذا كان -مثلاً- في حر شديد ويخشى أنه ينتن يكتفون بصلب الرأس ويدفنون الجثة، فهذا حكم الذي جمع بين الأمرين: القتل وأخذ المال.
الثاني: إذا قتل فقط ولم يأخذ المال، فإنه يقتل حتماً، ولا صلب عليه، وذلك لأنه اقتصر على القتل، فيقتل ويدفن بعد قتله، وهل يدخل في العفو؟ لو قال ولي المقتول: أنا أسمح عنه ولا أريد قتله هل يسقط القتل؟ لا يسقط، وذلك لأنه حد من حدود الله، أخاف الطريق وتعدى على المسلمين، فالحد لله تعالى، وبذلك أخبر الله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ} [المائدة:33] يعني: عقوبتهم.
فلا يسقط بعفو صاحب المال أو صاحب الدم.
ويقولون: من أخذ المال فقط -أي: أكرههم وأخذ المال بدون قتل- ففي هذه الحال تقطع يده اليمنى.
ثم رجله اليسرى في مقام واحد وتحسمان ويخلى سبيله، يقطع منه رجل من جانب ويد من جانب، اليد اليمنى والرجل اليسرى، كما يقطع السارق إذا سرق في المرة الثانية، وتحسم، ولا يسجن بل يخلى سبيله.
وكانوا إذا قطعوا السارق أو قاطع الطريق يعلقون يده في عنقه حتى يعرف الناس أنه سارق أو أنه محارب، ولكن في هذه الأزمنة قد يتمكن الأطباء أن يزرعوا يده وأن يعيدوها في مكانها، وكذلك رجله بعملية، يقاربون العروق بعضها إلى بعض، ويخيطون بعضها في بعض حتى يسري فيها الدم وتعود فيها الحياة، ولذلك في هذه الأزمنة لا يمكن من أخذ يده ورجله، بل تدفن، أو تقطع قطعاً متكاثرة، فتقطع الأصابع قطعاً، وتقطع الكف، وتشقق اليد والرجل ونحو ذلك حتى لا يتمكن من أخذها وإعادتها.
الرابع: إذا أخاف الطريق فإنه ينفى ويشرد؛ لقوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} [المائدة:33] ، فهذا هو الرابع، فالأول قتل وأخذ المال، والثاني قتل فقط، والثالث أخذ المال فقط، والرابع أخاف السبيل، وأخاف الطريق، بحيث صار الناس يفزعون من سلوك هذا الطريق، فقبض عليه فينفى من الأرض، لكن في هذه الأزمنة قد لا يكون النفي مفيداً لسهولة المواصلات ولقرب الأماكن، فيفتي بعض العلماء بالسجن، يقول: إنه يدخل السجن ويضيق عليه.
هذه حالاته الأربع.