تقدم من الحدود حد الزنا وحد القذف والتعزير وحد الخمر، وبقي الآن حد السرقة وحد قطاع الطريق، وحد البغاة، وحد المرتد.
زذكر أن السارق يقطع بثمانية شروط، والسارق: هو الذي يأخذ المال المحترم من حرزه على وجه الخفية.
فهو الذي يسمى سارقاً، فإذا أخذ من المال المنشور، كما إذا كان إنسان -مثلاً- نشر بضاعته، وجاء إنسان -مثلاً- تحرى غفلته وأخذ منه شيئاً وهو لا يدري فهذا ليس بسارق، يسمى مختلساً، وكذلك الذي ينهب المال ويهرب به يسمى منتهباً، وكذلك الذي يأخذه قهراً يسمى مغتصباً، فلا يقطع المختلس والمنتهب والمغتصب، وذلك لأن القطع إنما جاء في حق السارق، وغيره يعزرون التعزير الذي يردعهم.
وأما السارق فيقطع بثمانية شروط: الشرط الأول: أخذ مال معصوم خفي.
فيخرج مال الحربي، إذا أخذ مال حربي فلا يسمى سارقاً، ولا قطع عليه؛ لأن الحربي حلال قتله وحلال ماله، ويدخل في مال المعصوم المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن؛ لأنهم معصومة دماؤهم وكذلك أموالهم.
ولابد أن يكون الأخذ خفية، ويمكن أن يعد هذا شرطاً تاسعاً، أن يكون أخذه خفية، أما أخذه علانية فلا يسمى سرقة.
الشرط الثالث: أن يكون السارق مكلفاً مختاراً عالماً بمسروق وتحريمه، فإذا كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً على السرقة، أو جاهلاً بتحريم السرقة، أو جاهلاً بأن هذا المال معصوم، أو معتقداً أنه يجوز ولم يعلم أنه محرم فلا يقطع.
الشرط الرابع: كون المسروق مالاً محترماً.
ويخرج به ما إذا سرق أشرطة غناء، أو طبول محرمة، أو أجهزة الدش التي ليست محترمة، أو سرق دخاناً لأنه ليس بمال، أو سرق خمراً، أو سرق مخدرات فلا يقطع؛ لأن هذا ليس بمال محترم.
الشرط الخامس: أن يكون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم فضة، وربع مثقال ذهباً أو قيمته، فهو ربع دينار أو ثلاثة دراهم، كالدراهم القديمة التي هي من الفضة، ثم مقداره في هذه الأزمنة بهذا النحو، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) يعني أنه لا يفكر، والبيضة هي الترس الذي يجعل على الرأس في حالة القتال من حديد أو من صفر أو من نحاس تقي من وقع السلاح، وتسمى أيضاً المجن، وورد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم) ، وروي أن رجلاً سرق أترجة، والأترجة التي هي شبيهة بالليمون إلا أنها كبيرة، وكانت قيمتها ثلاثة دراهم، فقطع.
ثم مقدار الذهب في هذه الأزمنة ربع مثقال -أي: ربع دينار- يقارب السبع من الجنيه السعودي، أي: سبع الجنيه، فإذا كان الجنيه -مثلاً- بسبعمائة فبسرق مائة يقطع.
ومعلوم أيضاً أن الدراهم الفضة قد لا تكون موجودة في هذه الأزمنة، ولكن قيمتها معروفة، فنصاب المال الزكوي من الفضة مائتان من الدراهم، ومقدارها بالريال الفضي السعودي ستة وخمسون ريالاً، فإذا نظرنا في مائتين وقسمناها على ستة وخمسين إذا هي نحو الربع، يدل على أن الدرهم قريب من ربع الريال السعودي، فإذا سرق مثلاً أرباع الريال السعودي، فإن ذلك يقوم مقام ثلاثة دراهم، وصدق عليه أنه سرق نصاباً فيقطع.
وحيث إن الريال الفضي غير متوفر يرجع إلى قيمته، ويمكن أن تكون قيمة الريال عشرة ريالات ورقاً، فعلى هذا يكون النصاب من الدراهم الورقية نحو ثلاثين، فإذا سرق ثلاثين ريالاً من الأوراق صدق عليه أنه سرق نصاباً فيقطع، وكذلك لو سرق سلعة قيمتها هذا.
الشرط السادس: إخراجه من حرز مثله.
وحرز كل مال ما يحفظ فيه عادة، فإذا كسر الباب ودخل، وأخذ قدراً -مثلاً- مما يوجد في الأسوار ونحوه قطع، أو كيساً لأنه أخذه من حرزه، وهكذا -مثلاً- إذا كسر باب الغرفة وأخذ منها أقمشة تدخر وتجعل في داخل الأسوار صدق عليه أنه أخذ من حرز، كذلك أيضاً لو كسر الصناديق وأخذ من الجواهر أو من الحلي أو من النقود صدق عليه أنه أخذ من الحرز.
أما إذا وجد هذا المال ملقىً عند الباب، إنسان جعل عند بابه في الطريق أكياساً من الطعام مثلاً، أو ثياباً وأقمشة، فالذي يأخذ منه لا يسمى سارقاً؛ لأنه أخذ من غير حرز، فلا قطع عليه.
الشرط السابع: انتفاء الشبهة فإذا قال: أنا شريك في هذا المال وكان له شراكة فلا قطع، لأنه يدعي أنه أخذ شيئاًَ يملكه، وكذلك لو كان المال صدقات مجموعة في بيت وقال: أنا من الفقراء الذين تحل لهم هذه الصدقات، ما أخذت إلا من شيء يحل لي أو كان المال -مثلاً- غنيمة وهو من جملة الغانمين، وقال: أنا لي حق فيه فلا يقطع.
الشرط الثامن: ثبوت السرقة بشهادة عدلين.
شهد عدلان بأنا رأيناه قد خرج من هذا الباب يحمل هذا الكيس، أو يحمل هذا الثوب، أو يحمل هذا القماش، أو رأيناه خرج من هذا الباب وجاء صاحب البيت وقبض عليه وفتشه فوجد معه هذه الأموال، وعرفنا أنه أخذها ثبتت السرقة، وكذلك الإقرار، إذا اعترف وأقر بأنه أخذ من هذا المال كذا وكذا سرقة، أقر مرتين، ودام على ذلك الإقرار ولم ينكر صدق عليه أنه يعتبر سارقاً.
الشرط التاسع: مطالبة صاحب المال أو وكيله أو وليه، فصاحب المال المسروق إذا لم يطالب فيمكن أنه أباحه له، قال: هذا أخذ منا ونحن قد سمحنا عنه؛ لأنه قريب لنا أو صديق أو نحو ذلك.
ففي هذه الحال يعفى عنه ولا يقطع، وكذلك لو لم يطالب المالك ولكن وكل، أو كان المالك صغيراً، أو محجوراً عليه فطالب به وليه، هذه هي الشروط، فإذا تمت الشروط وجب قطع يده، فيبدأ بقطع يده اليمنى، وتقطع من مفصل الكف، أي: المفصل الذي بين الكف وبين الذراع، وإذا قطعت حسمت، يغلون زيتاً، فإذا غلا ذلك الزيت وقطعوا يده غمسوا رأسها في ذلك الزيت، لتتوقف العروق وتنسد عروق الدم؛ لأنهم إذا لم يغمسوها استمر خروج الدم وأدى ذلك إلى موته، فيغمسونها بعد ذلك ويعالجونها إلى أن يطيب الجرح، ويبقى ليس له إلا يد، فتقطع من مفصل كفه وتحسم، فإذا عاد فسرق مرة ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل كعبه وحسمت، ولا تقطع يده اليسرى، ولا تقطع رجله اليمنى، بل تقطع الرجل اليسرى، حتى لا يكون مشلول الجانب، وتحسم أيضاً رجله إذا قطعت، ويكون القطع من مفصل الكعب، فتقطع القدم.
فإذا عاد وقدر أنه سرق وقد قطعت يد ورجل فهل يقطع مرة ثالثة؟ الصحيح أنه لا يقطع، وإن كان روي عن بعض السلف أنه قطع ثلاث مرات، أي: يد ثم رجل ثم يد، بل يحبس حتى يتوب أو يموت، وذلك لأنه يعتبر مفسداً.
ومن سرق تمراً من غير حرز غرم قيمته مرتين، ولا قطع عليه، وكذلك من سرق ماشية، لمن جاء إلى غنم قد باتت في غير حرز وأخذ منها شاة، أو جاء إلى إبل ترعى وأخذ منها جملاً فإنه يغرم قيمته مرتين، سواء ذبحه أو باعه، ولا قطع؛ لأنه أخذه من غير حرز، هكذا ورد عن بعض السلف أنه يغرم ولا يقطع.
ولا يقطع في زمن المجاعة، إذا اشتد به الجوع ولم يجد ما يشتري به طعاماً، أو ما وجد شيئاً يشتريه، ما وجد خبزاً، ولا وجد تمراً، ولا وجد أرزاً، واحتاج ودخل في بيت وأخذ منه خبزاً ولو أكثر من النصاب فإنه معذور، ولهذا أسقط عمر رضي الله عنه القطع في سنة مجاعة حصلت تسمى (عام الرمادة) ، وهي مجاعة اشتدت فسواء لم يجد طعاماً يشتريه أو لم يجد قيمته في زمن مجاعة أو كان ارتفع سعره فلا يقطع والحال هذه؛ لأنه معذور.