الدعاء في السجود مندوب، والتسبيح كتسبيح الركوع سبحان ربي الأعلى -ثلاثاً- وهو أدنى الكمال، وأعلاه عشر، ويسن فيه الإطالة: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ، فيسن أن يكثر فيه من الدعاء لقوله: (فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) .
وبعد ذلك يرفع مكبراً، ويجلس مفترشاً، والافتراش أن يفرش رجله اليسرى ويضع عليها إليتيه وينصب اليمنى، ويضع بطون أصابعها إلى الأرض، ويقول: رب اغفر لي ثلاثاً، ويزيد أيضاً، ويطيل هذا الركن أيضاً.
كان أنس إذا جلس بين السجدتين أطال حتى يقول القائل: قد نسي.
ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى، وبعد ذلك ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، وينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، ولا يجلس بعد الركعة الأولى جلسة الاستراحة؛ وذلك لأن جلسة الاستراحة ما رويت مرفوعة صريحة، إنما رويت من فعل رجل من التابعين وكان شيخاً كبيراً.
في حديث أبي قلابة يقول: جاءنا مالك بن الحويرث، فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، أصلي كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقيل لـ أبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا، قال: وكان ذلك الشيخ إذا رفع من الركعة الأولى لم يقم حتى يستوي جالساً.
ذلك الشيخ يقال له عمرو بن سلمة الجرمي وليس صحابياً على الصحيح، ولو كان أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وهو الذي قدمه قومه يصلي بهم وهو صغير كما في صحيح البخاري ولم تثبت صحبته، فجلسته هذه كانت لعجزه ولكبر سنه، وكان يجلس بعد الأولى وبعد الثالثة.
أما مالك بن الحويرث فلم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم يقم حتى يستوي جالساً، وهذه الرواية ليست في الصحيح، فيدل على أنها رويت بالمعنى، وأنها كانت من فعل عمرو بن سلمة، وهذا الذي يترجح لنا أنها ما رويت إلا من فعل هذا الرجل.
وأما حديث أبي حميد الساعدي الذي بعضه في الصحيح، فلم تذكر أصلاً في صحيح البخاري، وذكرت في سنن الترمذي، ولكن الصحيح أنه غلط من الراوي، وأنها تكرر عليه ذكرها؛ ولأجل ذلك ذكر أن جلسته بين السجدتين وجلسته بعد السجدتين على حد سواء، وهذا ليس بصحيح.
فالحاصل أن ذكرها في حديث أبي حميد غير ثابت.
يعني: أن العبرة بما في حديث أبي حميد عند البخاري، وأما ذكرها في حديث المسيء صلاته فلم تذكر إلا في رواية وقعت خطأ في صحيح البخاري نبه البخاري على أنها خطأ، ووقعت في كتاب الاستئذان.
وذهبت الشافعية إلى استحباب هذه الجلسة وبالغوا في ذلك، وأنكرها الحنفية، ولما كانوا ينكرونها ذكر بعض الاعتراضات عليها الطحاوي في شرح معاني الآثار، وابن حجر لما كان شافعياً تكلف في إجابته على تلك الإيرادات التي أوردها الطحاوي في فتح الباري، ولكلٍ اجتهاده.
وما روي أن الإمام أحمد رجع إليها فلعله رجع إليها بالفعل لما أسن، ولما كبر سنه وتجاوز السبعين، وكان مما يشق عليه أن يقوم بسرعة معتمداً على ركبتيه أو معتمداً على صدور قدميه فكان يجلس ثم يعتمد ويقوم، وقد تكلمنا أيضاً عليها في تعليقنا على شرح الزركشي.
فالحاصل أنه ذكر أنه ينهض مكبراً معتمداً على ركبتيه بيديه، فإن شق عليه القيام لكبر أو مرض فله أن يعتمد بيديه على الأرض.
قوله: (فيأتي بمثلها غير النية والتحريمة) أي: الركعة الثانية يأتي بها كالأولى إلا أنه لا يأتي بالتحريمة، ولا بالاستفتاح ولا بالتعوذ ولا بتجديد النية إلا إذا لم يتعوذ في الركعة الأولى.
قوله: (ثم يجلس مفترشاً) : أي: بعد الركعتين يجلس مفترشاً.
فيفرش رجله اليسرى كجلسته بين السجدتين ويجلس عليها.
قوله: (وسن وضع يديه على فخذيه، وقبض الخنصر والبنصر من يمناه، وتحليق إبهامها مع الوسطى) : أي: يسن أن يضع يديه على فخذيه، ويقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويحلق بإبهامه والوسطى، أي: يجعلهما كالحلقة.