يشترط أن يكون النكاح الثاني نكاح رغبة، وهذا لابد منه، لا نكاح تحليل، سواء اتفق مع الزوج الأول، أو اتفق مع المرأة، فلا يباح أن يتزوجها ليحللها؛ وذلك لأنه ورد لعن المحلل في عدة أحاديث، ذكرها ابن كثير في تفسير هذا الآية: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] فالزوج الثاني لابد أن يتزوجها على أنها زوجة، لا على أنه يحللها للأول، والأحاديث التي وردت بلفظ اللعن كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المحِلل، والمُحَلل له) فالمحِلل هو الذي يتزوجها إذا طلقت ثلاثاً، ثم يطلقها ويقول: أحللها لزوجها الأول أحسن إليه، فإنه يريدها وهي تريده، وكل منهما يرغب في العودة، وهذا قد طلقها ثلاثاً، فأنا أحسن إليهما، فإذا دخلت عليها وجامعتها طلقتها حتى تحل للأول، هذا هو المحِلل.
والمحلل له: هو الذي يستأجره، كأن يقول: أنا قد حرمت علي زوجتي حيث طلقتها ثلاثاً، وأريدها وتريدني، وهي أم أولادي، ولا تحل لي إلا بعد زوج، فأريد منك أن تتزوجها، وأن تدخل بها، وأن تطلقها بعد ليلة أو بعد ليلتين، وأنا أدفع لك كل ما تخسره من مهر وغيره، أنا أعطيكه، ولكن بشرط: أن تدخل بها ثم إذا أصبحت فإنك تطلقها، ولا تبقها معك، يستأجره ويستعيره؛ ولذلك يسمى المحَلل: التيس المستعار، والتيس ذكر المعز، فالذين ليس عندهم فحل يستعيرون تيساً لينزو على غنمهم.
فيما سبق دليل على تحريم تحليل المرأة إذا طلقت ثلاثاً وحرمت على زوجها، وإنما ينكحها برغبة وإرادة منه ومحبة لأجل أن تكون زوجة، ثم بعد ذلك يقع منه كراهية لها فيطلقها فتحل للأول، أما إذا كان لا رغبة له في البقاء معها، وإنما يريد أن تحل للأول فإنها لا تحل، ويكون الوعيد الشديد عليه وعليها وعلى زوجها الذي استأجره لذلك.
وأما إذا كانت المرأة تريد أن ترجع إلى زوجها، فهذا ليس باختيار أحد الزوجين، فلو أنها ندمت على زوجها، ثم خطبها إنسان وعقد عليها ودخل بها، ولما دخل بها بعد يوم أو بعد يومين نفرت منه ونشزت، وأثارت البغض والكراهية، وقالت: لا أريدك، ولا أرغب في البقاء معك، ولست صالحاً للزوجية، وما قصدها إلا أن يفارقها حتى تحل للأول، ولو دفعت إليه ما دفع إليها، فإن هذا مكروه، ومع ذلك لم يذكروا أنها تحرم على الأول.