ذكروا أنه يعذر من حلف على شيء ثم فعله ناسياً أو جاهلاً، إلا في الطلاق والعتاق، فإذا قال: إن لبست هذا الثوب فامرأتي طالق، ولبسه، وقال: إني نسيت أني علقت الطلاق على لبسه، هل يقبل قوله؟ لا يقبل، بل يقع الطلاق؛ وذلك لأنه ادعى شيئاً خفياً، فنحن نعامله بالظاهر، فنقول: تطلق المرأة، وكذلك العكس، لو قال: إن لبست هذا الثوب فعبدي حر، ثم لبسه وقال: إني نسيت، أو إني جاهل أنه هو الثوب الذي علقت العتق على لبسه، فيعتق العبد؛ وذلك لأن الطلاق والعتق فيهما حق لآدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحة والمضايقة، فلأجل ذلك يقع الطلاق ويقع العتاق؛ بخلاف اليمين فإنها لا تقع.
ومعنى ذلك: أنه لو قال: والله! لا ألبس هذا الثوب، ثم لبسه ناسياً، فلا يحنث، والله! لا أركب هذه السيارة، ثم ركبها ناسياً ليمينه أو جاهلاً أنها السيارة التي حلف ألا يركبها، فإنه لا كفارة عليه، وما ذاك إلا لأنه معذور بالنسيان وبالجهل؛ لأن الناسي معذور، قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، فإذا حلف أنه لا يركب فركب، أو حلف أنه لا يشرب فشرب، وقال: إني ناسٍِ أو جاهل؛ قُبل قوله ولم يلزمه كفارة، وإذا طلق أو أعتق أنه لا يركب وقال: إن ركبت فامرأتي طالق، إن شربت فامرأتي طالق أو عبدي حر، فشرب الماء، أو ركب البعير، أو أكل من اللحم الذي علق عليه طلاقاً ففي هذه الحال يقع الطلاق، حتى ولو قال: إني ناسٍ، ويقع العتاق، ولو ادعى النسيان؛ لأنه ينكر حقاً لغيره.