لابد في الوقف من صيغة، والصيغة: قول أو فعل، فيصح بقول، ويصح بفعل دال عليه، وقد مثل للفعل بقوله: (كمن بنى أرضه مسجداً أو مقبرة وأذن للناس أن يصلوا فيه ويدفنوا فيها) أي: بنى أرضه مسجداً وأذن فيه، وفتح أبوابه، فلا يحتاج إلى أن يقول: أشهدكم أني أخرجته من ملكي، وأنه وقف لله، فإذا بناه مسجداً، وجعل محرابه إلى القبلة، وجعل له علامات المسجد كمنارة ونحوها، وأذّن فيه أو ركّب فيه مؤذناً، فقد أصبح هذا وقفاً يأتيه أجره ما دام المسجد عامراً بالمصلين، وكذلك لو كان عنده أرض، فسورها وفتح أبوابها، وأذِن للناس أن يدفنوا فيها أمواتهم، فقد أصبحت مقبرة مسبلة، وخرجت من ملكه، وأصبحت وقفاً على أموات المسلمين.
أما الصيغة القولية، فذكر المصنف أن منها ما هو صريح ومنها ما هو كناية، يقول: (وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدتّ) ، فإذا قال: وقفت هذا الكتاب أو حبسته أو سبلته أصبح وقفاً ولزمه، ولم يجز له بعد ذلك بيعه، وجاز أن ينتفع به من احتاج إليه أو من وقف عليه، وكذلك لو قال: حبست هذا المُكبر وجعلته لله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أصبح بهذه الكلمة وقفاً لازماً، وخرج عن ملكه، ولم يحق له أن يرجع فيه، وكذا لو قال: سبلت هذا المكيف، خرج عن ملكه، فكلمة (سبلت) صريحة في أنه أراد بذلك إخراجه من ملكه وجعله وقفاً، وكذلك (وقفت، وحبست) فهذه عبارات صريحة.
وأما الكنايات فهي: (تصدقت، وحرمت، وأبدت) ، والغالب أن كلمة (تصدقت) تكون لإخراجه من ملكه ولتمليكه للمتصدق عليه، فإنه إذا قال: تصدقت بهذا الثوب على فلان، فإن المتصدق عليه يملكه، ولكن إذا قال: تصدقت بهذا الثوب أو بهذه العباءة لمن يحتاج إليه من المسلمين، جاز ذلك، وخرج عن ملكه وأصبح وقفاً، ولابد في هذه الكنايات من النية، وذلك بأن ينوي أنه وقف.
وأما قوله: (حرمت) فالأصل أن التحريم هو المنع، ولكن قد يريد بقوله: حرمت، أي: حرمت بيعه، وحرمت أن يملكه شخص، وجعلته محرماً على ورثتي أو على شخص معين، فإذا نوى أنه وقف صار وقفاً.
وكذلك قوله: (أبدت) ، كما إذا قال: أبدت هذه الفرش، أي: أخرجتها من ملكي، وجعلتها محرمة مؤبدة ليس لي فيها تصرف، فتصير وقفاً بهذه الكلمة.
والعلماء يشترطون النية مع هذه الكنايات: (تصدقت وحرمت وأبدت) ، وذلك أن يكون القائل ناوياً بذلك كونه وقفاً، أو يكمل ذلك بعبارة أخرى كأن يقول: تصدقت به صدقة محرمة، أو مؤبدة، أو مسبلة، أو محبسة، أو موقوفة، أو يقول: تصدقت به صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، فيفهم من ذلك أنه جعله وقفاً، وأنه أخرجه من ملكه حتى ينتفع به.