يعرف الوقف كما في زاد المستقنع بأنه: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ولذلك قالوا: إنه عقد لازم، وقالوا: إنه لا يصح الرجوع فيه، ولا يصح بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، فيباع ويصرف ثمنه في مثله.
والواقف يقصد الأجر، هذا هو الأغلب على الواقف؛ وذلك لأن الأجر يستمر بعد موت الواقف.
ودليله من السنة حديث عمر رضي الله عنه: أنه أصاب أرضاً بخيبر -أي: ملكها- لم يصب مالاً هو أعجب عنده منها، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أفعل بها؟ فقال: (إن شئت حبست أصلها وسبلتها، ففعل ذلك عمر رضي الله عنه، فجعلها مسبلة على الفقير والمسكين وابن السبيل والضيف وفي وجوه الخير، وجعل لمن يشتغل فيها أن يأكل منها غير متأثل مالاً) أي: بقدر عمله فيها.
يقول: هذا البستان وقف سبلته، لا يُباع ولا يوهب ولا يورث ولا يُقسم على الورثة، بل يكون وقفاً، يبتغي به وجه الله، وثمرته وما يخرج منه تُنفق في وجوه الخير، أي: إذا كان يخرج منه تمر أو عنب أو ثمر مأكول أو ينتفع به، فإنه يتصدق بها على الفقراء وذوي الحاجات، فيأتيه أجر هذه الصدقة بعد موته.
ومن الأدلة على الوقف الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ، فالصدقة الجارية هي الوقف الذي هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، فإذا وقف داراً وقال: يسكنها ذوو الحاجة بدون أجرة، فإنه على خير، وله أجر، أو قال: تؤجر ويُتصدق بثمنها على المساكين وعلى الفقراء والمستضعفين؛ فإنه على خير، فهي صدقة جارية، أو وقف دكاناً وقال: أُجرته على فقراء آل فلان، أو فقراء البلد الفلانية، أو فقراء قبيلة كذا، فله أجر، ولا شك أنه يأتيه الأجر ما دامت الدار عامرة أو المزرعة يُنتفع بها، وكذلك بقية ما يُنتفع به.