قوله: (ولا عبادة) ذكر في الحاشية بعض الأمثلة على العبادة وأنها لا تصح، فإذا بنى في الأرض المغصوبة مسجداً فإنه لا يصح، ولصاحبها أن يهدم المسجد، وإن تراضوا على أن يعطوه ثمن الأرض ويبقى المسجد فهو أفضل، وكذلك لو غصب جملاً وحج عليه، أو سيارة وحج عليها أو جاهد عليها لم يصح جهاده، أو غصب ماءً وتوضأ به لم يصح وضوءه ولا اغتساله به، وكذلك بقية العبادات، ولو أخرج المغصوب كفارة عن نذر أو عن يمين فلا يجزئه ولا يقبل منه، وهذا هو القول المشهور.
والإمام أحمد رحمه الله يرى أنه لا يصح الحج بمال مغصوب، أو بمال حرام، وأن عليه أن يحج حجة أخرى، وفي ذلك يقول بعض الشعراء: إذا حججت بمال أصله سُحتٌ فما حججتَ ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل صالحة ما كل من حج بيتَ الله مبرورُ وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه يأثم، ولكن الحج صحيح، بحيث لا يؤمر أن يعيده؛ لأنه أدى الحج ومناسكه ببدنه، وإنما المال وسيلة، ولعل هذا هو الأقرب، وأنه يصح الحج ويسقط الفرض، ولكنه يأثم.
ومثله: إذا غصب ماءً فتوضأ به، أو اغتسل به من جنابة: فهل يرتفع الحدث؟ الإمام أحمد يرى أنه لا يرتفع؛ وذلك لأنه معصية، فكيف يجمع بين طاعة ومعصية؟! والصحيح هو القول الثاني في المذهب، وهو أنه يصح، وهو قول أكثر العلماء وأن الحدث يرتفع، ولكن يأثم بالغصب؛ لأنه يأثم بالغصب حتى لو أراقه، فلو أراق الماء الذي غصبه أثم، وكذلك لو شربه أو باعه أثم، فالعبادة لا تعلق لها بذلك.