"النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه" وهذا أيضاً من الفنون المهمة المشتركة بين هذا العلم وعلم أصول الفقه، فلا يستغني المحدث عنه ولا فقيه ولا طالب علم شرعي، وقد مر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على قاص، وقال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت؛ لأنه قد يتعرض لسؤال فيسأل فيجيب بخبرٍ منسوخ، أو يفتي بحكمٍ كان أولاً قبل النسخ ثم نسخ، فعلى طالب العلم أن يعتني بأخبار الناسخ والمنسوخ منها، سواءً كان من الآيات أو من الأحاديث؛ لأن المعمول به هو الآخر، والمتقدم منسوخ رُفع حكمه.
فالنسخ في اللغة: الرفع والإزالة، وفي الاصطلاح: رفع حكم شرعي ثابت بنص، بنصٍ آخر، متراخٍ عنه، فالنسخ من خصائص النصوص، فغير النص لا يَنسخ ولا يُنسخ، من أهم الكتب في ناسخ القرآن ومنسوخه كتاب: (الناسخ والمنسوخ) لمن؟
طالب:. . . . . . . . .
لأبي عبيد، وغيره؟
نعم. . . . . . . . . النحاس وهو أشمل وأطول، في الناسخ والمنسوخ من السنة كتاب: (الاعتبار) للحازمي، كتاب نفيس جامع، كتاب: (الناسخ والمنسوخ) للجعبري، وغير ذلك من الكتب المهمة المفيدة النافعة في هذا الباب، أيضاً شراح كتب السنة يعتنون بهذا الباب عناية فائقة ويبينونه، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- له في ذلك اليد الطولى في معرفة المتقدم والمتأخر، كما وصفه بذلك الإمام أحمد بن حنبل.
"ثم الناسخ قد يعرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قد يعرف من النص: ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) يعني كنتُ نهيتكم في المستقبل؟! في الماضي، ((فزورها))، "كان آخر الأمرين -قول الصحابي- كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار"، هذا نحتج به أو لا نحتج؟ أو نقول: هذا اجتهاد؟
إذا قال الصحابي: هذا ناسخٌ لهذا، تردد العلماء في قبول مثل هذا الكلام؛ لأنه اجتهادٌ منه، لكن إذا نقل خبراً، أو أخبر عن خبرٍ من الأخبار أنه متأخر عن خبرٍ آخر، كقوله: "كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار"، هذا إخبار عن تأخر هذا الخبر عن غيره الذي فيه الوضوء من كل شيء.