قالوا: من الآداب للمحدث أن لا يحدث بحضرة من هو أولى منه سناً أو سماعاً، بل كره بعضهم التحديث، نعم إذا وجد في المجلس شخص أكبر منك سناً أو أعلم منك ينبغي أن تترك له المجال، ما تتحدث بحضرته إلا بقدر الحاجة إلا إذا امتنع الأعلم فإنه حينئذٍ يتحدث من دونه؛ لئلا يحرم الناس، ومثله إذا كان في البلد أكثر من عالم، والبلد لا يحتاج إلا إلى عالمٍ واحد يعلم الناس، ينبغي أن يكون هو الأعلم، فإذا امتنع الأعلم من التحديث يقوم الذي بعده وهكذا؛ لئلا يحرم الناس بحجة أن الأعلم تردد أو رفض.

فإذا كان عند غيره من العلم ما ليس عنده في العلوم كلها أو في بعضها، جاء شخص ليقرأ في كتاب وأنت تعرف أن من أهل العلم من له عناية بهذا الكتاب، من النصيحة -والدين النصيحة- أن تقول لهذا الطالب: اذهب إلى فلان فاقرأ عليه، فهو أولى مني بإقراء هذا الكتاب، فإن الدين النصيحة، لكن الإشكال إن من طلاب العلم من لا يقتنع، خلاص أعجب بفلان يرى أن كل العلوم عنده، تقول: يا أخي اذهب إلى فلان يحسن ويفتح لك مغاليق هذا الكتاب أكثر مما عنده .. ، لا، لا أريد .. ، هذا يحصل كثيراً، فالله المستعان.

فليحرص طالب العلم على التلقي عن الكبار، وعندنا -ولله الحمد- في هذه البلاد من أهل العلم من تشد إليه الرحال، نعم فقدنا جملةً منهم، لكن بقي من فيه الخير والبركة، ولا يعني هذا أن الإنسان عنده علم الدنيا كلها، يؤخذ عنه ما يحسنه، وينتقل إلى غيره ليأخذ عنه ما يحسنه، وتنوع الشيوخ أيضاً مطلوب؛ لأن كل شيخ له طريقته ومنهجه، وهم مدارس، كل واحد يمثل مدرسة، وكل واحد عنده ما ليس عند الآخر، فتنويع الشيوخ لا سيما الكبار منهم أمرٌ مطلوب؛ لئلا يندم الطالب لماذا لم يؤخذ عن فلان؟ لو اخترمته المنية ندم ندامة الكسعي، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015