على كل حال قد يموت الإنسان ولم يبلغ الخمسين، إذا سمع مثل هذا الكلام: لا تعلم الناس حتى تبلغ الخمسين، هذا قولٌ مهجور، بل هو قولٌ ضعيف، لا حظ له من النظر، والواقع يرده، كثيرٌ من أئمة الإسلام درّسوا قبل الخمسين، بل قبل الأربعين، بل قبل الثلاثين، بل منهم من تصدى للتحديث قبل العشرين كمالك -رحمه الله تعالى-، ونفع الله بهم نفعاً عظيماً، فكون الإنسان يمني نفسه أن يدرس بعد الخمسين بعد الستين سبحان الله من يضمن لك أن تبقى؟ لا شك أن مثل هذا حرمان أن يبقى، نعم طلب العلم لا حد له، يستمر يطلب العلم ويعلم بقدر ما عنده من العلم، أما ألا ينفع الناس ولا يفيدهم حتى يكمل الخمسين! هذا لا حظ له من النظر، "وقال غيره: أربعين سنة".

السيوطي لما كمل الأربعين انقطع عن التدريس، عكس ما يقوله هؤلاء، لما كمل الأربعين انقطع عن التدريس، وعن الإفتاء، وعن كل شيء، تفرغ للتأليف، ولذا صار .. ، عُد من المكثرين، حتى بلغت مؤلفاته الستمائة، وهي متفاوته من ورقة إلى المجلدات، على كل حال من تأهل للتعليم فليبادر؛ لأن نفع التعليم متعدي، وله -إذا خلصت نيته بهذا القيد- من الأجر ما لا يحصى، وكل شخصٍ يستفيد منه له مثل أجره، لكن بالقيد المذكور، إحسان النية وإخلاص العمل لله -سبحانه وتعالى-، والله المستعان.

يقول: "وقد أنكر القاضي عياض ذلك بأن أقواماً حدثوا قبل الأربعين، بل قبل الثلاثين، منهم الإمام مالك ابن أنس -رحمه الله تعالى - نجم السنن- ازدحم الناس عليه، وكثيرٌ من مشايخه أحياء"، يُدرس وربيعة موجود في المسجد، ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك، كثير من شيوخه أحياء هم عنده في المسجد وهو يدرس، حدث صغير، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، تجد الصغير عنده الفئام، والكبير عنده الأقل، والله المستعان.

وقبل جلوسه للتدريس ينبغي أن يتحسس ويتفقد نيته؛ لأن النية شرود، والنفس ميالة وحيافة، تميل إلى حب المدح والثناء، وتقديم العاجل على الآجل، لكن إذا عرفنا أن الحديث من علوم الآخرة المحضة فهو عبادة لا يجوز التشريك فيه، فعلينا أن نكون على ذكرٍ دائم للنية، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015