فيقول -رحمه الله تعالى-: "فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني" هذا هو الأصل، الأصل في ذلك المنع، ويندر أن يوجد مثل هذا في عصور الرواية، وإنما يوجد من هذا وصفه بعد أن استقرت السنة، ودونت في الكتب، وصار السماع والقراءة والعرض والإجازة وجميع طرق التحمل فائدتها مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، ولا يترتب عليها تصحيح ولا تضعيف، الأحاديث الثابتة ثابتة، والمردودة مردودة، والأمر مفروغٌ منه، فبعد أن دونت الأحاديث في الكتب وأثبت الثابت، ونفي المردود، تساهل الناس في التحمل والسماع، وحصل من كثيرٍ من الطلاب ما يحصل.
منع من ذلك جمعٌ من أهل العلم حتى في العصور المتأخرة، وهذا هو الأصل، كيف تقول: سمعتُ فلان وأنت مع جارك كأنك في قاعة أو صالة أفراح، في عرس، كل اثنين يتحدثان معاً، كيف يصوغ لك أن تقول: سمعت فلاناً، أو حدثني فلان، أو أخبرنا فلان؟ هذا هو الأصل، المنع، لكن لما كان الأثر المرتب على هذا السماع ضعيف، لا يترتب عليه ثبوت ولا عدمه، لا تصحيح ولا تضعيف، وإنما مجرد إبقاء السلسلة، سلسلة الإسناد؛ ليقول: حدثنا فلان عن فلان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير أثرٍ عملي أجازه جمعٌ من أهل العلم، "وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي يقول: حضرتُ" نعم هو حضر، يعني ما عدا الحقيقة حضر صحيح، لكن هل سمع أو حُدث أو أُخبر؟ لا، "ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون -الحمال- الحافظ" المعروف، قال: "وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه"، كيف ينتبه الشيخ الذي ينسخ والقارئ يقرأ عليه؟ نعم أفهام الناس تختلف، ومداركهم متفاوتة، يوجد من ينتبه إلى أكثر من شخص يقرأ عليه في آنٍ واحد، ويرد على هذا، ويقوم خطأ هذا، ويذكر عن الإمام المقرئ علم الدين السخاوي أنه كان يقرأ عليه العشرة من الناس، من مواضع مختلفة من القرآن ويرد عليهم، يرد على كل واحدٍ يخطئ منهم، نعم الناس يتفاوتون في النباهة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس بصدد سماع قراءة واحد، شخصٍ واحد، ويفوته الشيء الكثير.