وقد روي الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ، وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة، ويبلغون عن المشايخ ما يملون، فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام.
وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره، قلتُ: وقد وقع هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، فهذا هو الأصلح للناس، وإن كان قد تورع آخرون، وشددوا في ذلك، وهو القياس، والله أعلم.
بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما ذكر الطريق الأول من طرق التحمل، والثاني السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ العرض، نبه على أمرٍ يوجد مع كثرة الطلاب، يوجد مع كثرة الطلبة، وهو تشاغل بعض الطلاب عن السماع، عن السماع من لفظ الشيخ، أو سماع صوت القارئ على الشيخ، فبعضهم ينعس، وبعضهم يكتب، إيش معنى يكتب؟ يكتب شيئاً آخر غير ما يُملى، وغير ما يُقرأ، وبعضهم ينظر في كتابٍ ثان، يعني نظير ما هو موجود الآن في قاعات المحاضرات إذا كثر العدد، تجد بعض الطلاب يتحدث إلى زميله، وبعضهم ينظر في كتابٍ آخر، وبعضهم عنده امتحان بعد قليل -يعني بعد هذه المحاضرة- فيقرأ في كتابٍ آخر سوف يمتحن به، هذا لا شك أنه خلل في السماع، بل خللٌ كبير؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ما جعل لرجلٍ من قلبين في جوفه، فهل يصح السماع والحالة هذه؟ يصح أن يروي من هذا وضعه، شخص ينعس والشيخ يحدث يجوز أن ينقل عن الشيخ؟ شخص ينظر في كتابٍ آخر أو يكتب يجوز أن يروي عن الشيخ الذي يحدثه؟ هذا محل البحث في هذا الفرع.