يقول: "الثقة الضابط لما يرويه" العدالة لا بد منها، والضبط تمامه يشترط لصحة الخبر، ومسماه يشترط لقبوله، وإن نزل عن درجة الصحيح، "وهو المسلم العاقل البالغ سالماً" حال كونه سالماً "من أسباب الفسق وخوارم المروءة" هذا هو العدل، العدل المسلم العاقل البالغ، فالكافر ليس بعدل، غير العاقل لا يقبل خبره؛ لأنه ليس بعدل، لم تتوفر فيه العدالة، وإن لم يتحقق فسقه، البالغ: فلا بد من البلوغ لقبول خبر الراوي، لا بد أن يكون مسلماً، فالكافر لا يقبل خبره؛ لأنه لا يؤمن أن يكذب، والمجنون لا يصح خبره؛ لأنه لا يضبط ما يقول، والقلم قد رفع عنه فلا يؤمن أن يفتري، والبالغ شرطٌ لا بد منه، إذ الصغير لا يقبل خبره؛ لأنه لم يكلف فلا يؤمن أن يكذب.
وكل هذه الشروط إنما تشترط عند الأداء، أما التحمل فيصح تحمل الكافر على ما سيأتي، ويؤيده حديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، وهو حينئذٍ كافر لما تحمل الخبر قبل أن يسلم، ثم أداه بعد أن أسلم فقبل منه، فهذه الشروط شروط للأداء، وليست شروطاً للتحمل، ومثله الصبي لو تحمل الصبي خبراً وحفظه وأداه بعد بلوغه قبل منه، لكن يؤديه قبل البلوغ لا يقبل منه.
"سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة" الفاسق هو الذي يرتكب المحرمات، أو يقصر في أداء الواجبات؛ لأن الفسق خلاف التقوى التي هي التزام الأوامر، واجتناب النواهي، خوارم المروءة يعني ما اعتاد الناس فعله مما تواطئوا عليه، وتعارفوا عليه، بحيث يعد من خرج على فعلهم واتفاقهم على هذا الأمر شاذاً بينهم، فمثل هذا يخرم المروءة، "وأن يكون مع ذلك متيقظاً" منتبهاً لحفظه بحيث يؤديه كما سمعه متى شاء "غير مغفل" فالمغفل لا تقبل روايته؛ لأنه لا يضبط ما يروي "حافظاً إن حدث من حفظه" ضابطاً لما يرويه إن حدث من الحفظ، إن روى باللفظ لا بد أن يكون حافظاً لذلك اللفظ، "فاهماً إن حدث بالمعنى" والرواية بالمعنى جائزة عند جمهور العلماء، شريطة أن يكون الراوي عارفاً بمدلولات الألفاظ، عالماً بما يحيل المعاني، أما إذا لم يكن كذلك فلا تجوز الرواية حينئذٍ بالمعنى، "فإن اختل شرطٌ مما ذكرنا ردت روايته".