فعنده شاهدنا أول أبيات حسان. وقوله: لا عيب بالقوم .. إلخ، روي أيضًا لا بأس بالقوم، يريد: أن أجسامهم لا تعاب، هي طويلة عظيمة، ولكنها كأجسام البغال لا عقول لها، ورواه صاحب "الكشاف": جسم الجمال، وأورده عند تفسير قوله تعالى: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) [الأعراف/ 40] على أن الجمل مثل في عظم الجرم. والبيت مثل قول آخر:

وقد عظم البعير بغير لبِّ ... فلم يستغن بالعظم البعير

وقول آخر:

فأحلامهم حلم العصافير دقَّة ... وأجسامهم جسم الجمائل أو أجفى

وهذان البيتان، على أن قائله رفع الجسم والأحلام على إضمار المبتدأ لما أراد من تفسير أحوالهم، دون القصد إلى الذم، والتقدير: أجسامهم أجسام البغال، وأحلامهم أحلام العصافير عظمًا وحقارةً، ويجوز، أن يريد لا أحلام لهم، كما أن العصفور لا حلم له. ولو قصد به الذم فنصبه بإضمار فعل لجاز، قال ابن خلف: ذكر سيبويه هذا الشعر بعد أبيات أنشدها، وذكر فيها أسماءً قد نصبت على طريق الشتم والتحقير، ورفع قوله: جسم البغال وأحلام العصافير. وقوله: ولم يرد أن يجعله شتمًا؛ يريد أنه لم يجعه شتمًا من طريق اللفظ إنما هو شتم من طريق المعنى، وهو أغلظ من كثير من الشتم، وأفرد الجسم وهو يريد الجمع ضرورة كقوله:

في حلقكم عظم وقد شجينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015