الضمير على المبتدأ من الجملة. هذا كلامه. ولله دره في اتساق كلامه كعقود الجمان مع بيان ليس فوقه تبيان!

وقال أيضاً في "إعراب الحماسة": وأما قوله: "تلاقوا جياداً" فبدل من قوله: "تلاقوا غداً خيلي"، والأفعال قد تبدل بعضها من بعض، تقول: إن تقصدني تزرني أحسن إليك، وتقول: إن تزرني أحسن إليك أعطك، فتبدل "أعطك" من "أحسن إليك" قال تعالى: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68 و 69] وعلى هذا لا يحسن أن تقول: "إن تزرني أعطك ألفاً أحسن إليك"، وذلك أن إعطاءك إياه ألفاً أوضح في البيان من "أحسن إليك" لأن الإحسان قد يكون عطية وغيرها، وإنما يبدل الأعراف من الأنكر لما فيه من البيان، ولا يبدل الأعم من الأخص، لأنه بضد ما وضع الأمر عليه، ولهذا عدل سيبويه في قول الشاعر:

اعتاد قلبك من سلمى عوائده ... وهاج أهواءك المكنونة الطلل

ربع قواء أذاع المعصرات به ... وكل حيران سار ماؤه خضل

عن أن يجعل "ربع" بدلاً من "طلل" لأنه أكثر منه، وإنما يبدل الأقل من الأكثر للبيان، ل الأكثر من الأقل، ثم أبدل من بعد "تلاقوهم" من "تلاقوا جياداً" المبدل من "تلاقوا غداً خيلي"، وساغ ذلك لما في قوله: تلاقوهم، فتعرفوا كيف صبرهم على كذا. وجاز أن يبدل الثالث من الثاني لما معه من ذكر الصبر المفخور به، وهذا يدلك على فوة اتصال المعطوف بالمعطوف عليه، وذلك أن الفائدة إنما هي في ذكر الصبر، لا في مجرد تلاقوهم، ونحو من هذا قول كثير:

وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبد وتارات يجم فيغرق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015