النفي هنا خبر بمعنى النهي، ولو جاء بصيغة النهي لكان لا بد من الفاء، لكن لما جاء بصيغة الماضي لفظاً لا معنى لم يأت بها، وكذا في شرح الجعبري، قال: جملة لست جواب الشرط نفي بمعنى النهي، وإذا كان الجواب ماضياً لفظاً بلا قد امتنعت الفاء فلا ضرورة، وقال السمين: هذا فاسد، فإن الفاء لازمة في النهي، فكيف بالخبر الذي في معناه.
والحاصل أن براءة لا بسملة في أولها، سواء ابتدئ بها أم وصلت بما قبلها، لأنها لم ترسم في المصحف للفصل بين الأنفال وبراءة، بل ترك سطر مكانها.
واختلف أهل العلم بسبب ذلك على أقوال كثيرة يرجع معناها إلى ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها نزلت بالسيف، والأمر بالقتال، ونبذ العهد، وكشف أستار المنافقين، فلا يناسب أن يؤتى بالبسملة في أولها، لأنها آية رحمة.
الثاني: أن قصتها شبيهة بقصة السورة التي قبلها، وقبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم بالبسملة فتركوها، كأنهم توهموا أنها سورة واحدة.
الثالث: أن أولها قد نسخ، فلذلك تركت البسملة منها لذهاب أولها.
وبعد هذا البيت:
ولا بد منها في ابتدائك سورة ... سواها وفي الأجزاء خير من تلا
ومهما تصلها مع أواخر سورة ... فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
وقوله: ولا بد منها إلى آخره، أي: ولا بد من البسملة لجميع القراء في ابتداء كل سورة سوى براءة، وخير الشيوخ التالون أصحابهم في البسملة وتركها في ابتداء الأجزاء، أي: في أثناء سور القرآن.
وقوله: ومهما تصلها، أي: مع أواخر سورة إلى آخره، أي: ومهما تصل البسملة بآخر سورة، فلا يجوز أن تقف على البسملة وحدها، نص على امتناعه جماعة، وذلك لأن البسملة إنما جيء بها للتبرك في الابتداء عند من لا يعتقدها آية، أو لأنها آية من أول كل سورة، فلا معنى لوصلها بآخر السورة فقط، بل إما أن تصلها بأول السورة الأخرى، أو تقف على آخر السورة، ثم تبسمل مهلاً للبسملة بأول السورة أو واقفاً على البسملة، ثم تبتدئ بأول السورة الأخرى، قال الفاسي: