خبريًا قوله تعالى: {هلْ عَسَيْتُم إنْ كُتِبَ عَلْيكُم القتالُ أنْ لا تُقاتِلوا} [البقرة/246] ألا ترى أن الاستفهام طلب، فلا يدخل على الجملة الإنشائية، وأن المعنى: فقد طمعتم أن لا تقاتلوا إن كتب عليكم القتال. وما يحتاج إلي النظر قول القائل: "عسى زيد أن يقوم" فإنك إن قدرت عسى فيه فعلاً إنشائيًا،

كما قال النحويون، أشكل، إذ لا يسند فعل الإنشاء إلا إلي منشئه، وهو المتكلم، كبعت واشتريت وأقسمت وقبلت وحررتك، وأيضًا فمن المعلوم أن زيدًا لم يترج وأن المترجي المتكلم، وإن قدرته خبرًا

كما في البيت والآية، فليس المعنى على الإخبار، ولهذا لا يصح تصديق قائله ولا تكذيبه، فإن قلت: نخلص من هذا الإشكال أنهم نصوا على أن"كان" وما أشبهها أفعال جارية مجرى الأدوات، فلا يلزم فيها حكم سائر الأفعال؛ قلت: قد اعترفوا مع ذلك بأنها مسندة، إذ لا ينفك الفعل المركب عن الإسناد إلا إن كان زائدًا أو مؤكدًا، على خلاف في هذين أيضًا. وقالوا: إن"كان" مسندة إلي مضمون الجملة، وقد بينا أن الفعل الإنشائي لا يمكن إسناده لغير المتكلم، وإنما الّذي يخلص من الإشكال أن يدعّى أنها هنا حرف بمنزلة لعل، كما قال سيبويه والسيرافي بحرفيتها في نحو: عساي وعساك وعساه. وقد ذهب أبو بكر وجماعة إلي أنها حرف دائمًا، وإذا حملناها على الحرفية زال الإشكال؛ إذ الجملة الإنشائية حينئذ

اسمية لا فعلية، كما تقول: لعل زيدًا يقوم فاعرف الحق ودع التقليد، واستفت نفسك وإن أفتاك الناس.

هذا آخر كلام المصنف، وهو غاية في التحقيق الّذي لا يبقي في النفس شبهة، والله أعلم.

وقال أبو حيان في" تذكرته": جمد عسى لأن الترجي في الحقيقة راجع إلي نفس المتكلم لا إلي المخبر عنه، وعسى قريب المعنى من لعل، وهو حرف لأن كلاً منهما يدل على تجويز الفعل وتوقع حدوث منه، من أجل ذلك أدخلوا عسى على"لعل" في نحو:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015