فإن قيل: بماذا انتصب " ربا " و " رسولاً " و " دينا ". قلت: يحوز
أن تكون منصوبات على التمييز، والتمييز وإن كان الأصل فيه أن يكون
فاعلا في المعنى يحًوز أن يكون مفعولا- أيضا- كقوله تعالى: (وَفَجرنَا
الأرضَ عُيُونًا) (?) ويجوز أن تكون مَنصوبَات على المفعولية؛ لأن
" رَضي " إذا عُدي بالباء يَتَعدى إلى مفعول آخر.
فإن قيل: ما المراد من قوله " دينا "؟ قلت: المراد من الدين هاهنا:
التوحيدُ؛ وبذلك فسر صاحب " الكشاف " ' في قوله تعالى: (ومَن
يَبتَغ غَيرَ الإِسلاَم دينا) (?) بمعنى التوحيد. وأما في الحديث الصحيح عن
عُمر قال: " بينمَا نحن عند رسول الله ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ
شديدُ بياض الثياب (?) " إلى آخره فقد أطلق رسول الله الدين على
الإسلام والإيمان والإحسان بقوله: " إنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم "
وإنما علمهم هذه الثلاثة؛ والحاصل في هذا: أن الدين تارةً يُطلقُ على
الثلاثة التي سأل عنها جبريل- عليه السلام-، وتارةً يُطلق على الإسلامِ
كما في قوله تعالى: (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكم نعمَتي
وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلاَمَ دينا) (?) وبهذا يُمنَعُ قولُ مَن يقولُ: بينَ الآية
والحدَيث معارضةٌ، حيثَ أطلق الدين في الحديث على ثلاثة أشياء، وفي
الآية على شيء واحد، واختلاف الإطلاق إما بالاشتراك أو بالحقيقة
والمجاز، أو بالتواطؤ، ففي الحديث أطلق على مجموع الثلاثة وهو أحد
مَدلُولَيه، وفي الآية أطلق على الإسلام وَحده وهو مُسماه الآخر.
فإن قيل: لم قال بالإسلام ولم يَقل بالإيمان؟ قلت: الإسلام والإيمان
واحد فلا يرد السؤال؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (فأخرَجنَا مَن
كَانَ فِيهَا مِنَ المُؤمِنين فمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيتِ مّنَ المُسلِمِينَ) (?) والمراد