من الجوز يرتفقون به مدة أيام الشتاء ويتهادونه إلى طرسوس، إلى ذوي موداتهم وقراباتهم. وفي فضاء من عمل الجوزات منبت للأشنان الزبطري، فإذا تناهى إدراكه ضموه وارتفقوا به من هدية وبيع واستعمال.
وفي هذا الجبل أشجار مخصوصة بأوكار البزاة يعتادها قوم من الجوزانيين، فإذا فرخ في وكره تعهده الطالب له بالتفقد وتردد إليه حتى إذا صلح تلطف بحيلة في نقل الفراخ ودبر تربيتها وتكلف حملها إلى طرسوس وربما بيع الواحد بمائة وخمسين درهماً فيستحيل إلى الفراهة إذا علم وضري، فبلغ خمسمائة درهم وأكثر.
وفي جبلها أيضاً عقار يعرف بالغاريقون، يحمل منه إلى أكثر الأقاليم. حدثني أبو محمد عبد الله بن أبي مروان المعداني وهو الأفطس، وهو ممن رابط وجاهد في حصن الجوزات ثلاثين سنة، أنهم أخرجوا في فاثور، فوجد أحدهم شيئاً من الغاريقون فرفعه في مئزر معه، ثم وجدوا ماء ينبع من عين فغرسوا عليها وأخرجوا زادهم ورفعوا الغاريقون من المئزر في مزود مع أحدهم، وبلوا كعكاً معهم بذلك الماء البارد ولفوه في المئزر، وسار ثلاثة أو أربعة منهم يتحسسون مكانهم لئلا يعلم بمكانهم، فتناول صاحبهم شيئاً من الكعك المبلول فنال منه، وأبطأ أولئك، فعمل الغاريقون الملتصق بالمئزر في طبع الرجل، وتردد واختلف، فوافاه أصحابه وقد تردد نحو مائتي طريق، وحيل بينه وبين القوة والحركة. فرأوا أن قطعوا دهقين وجعلوا صاحبهم في عباء وحملوه بينهم إلى الجوزات فعولج وعوفي، فباع ما كان معه من الغاريقون بجملة جاملة.
وما وطىء هذا الحصن منذ ملكه المسلمون وشيدوه أمرأة، ولا أطلق لأحد أن يدخل بغلام أمرد إلى أن أخرج عنها المسلمون، وإنما يختار لها أهل القوة والبأس ومن يعاني أعمال السلاح المختلفة كالثقاف بالسيف والرمح والرمي عن القسي الفارسية وقسي الرجل من أبناء أربعين وما زاد وما نقص، فإذا حضر الغزو فقد رسم الجوزانيون يوماً في ساقة عسكر المسلمين ويوماً في مقدمته بأحسن الزي وأجمل الأحوال وأكمل العدة شامة في الناس.