اقتضت الصورة إخراج وفد إلى مصر والعراق يستصرخون ويطلبون المدد، ورسم أبو الحسن ابن الفياض بوفادة مصر، ووفد أبو بكر ابن الأصبهاني الإسكاف وأبو عليّ ابن الأصبهاني خليفة القاضي العباس بن أحمد الخواتيمي على طرسوس إلى بغداد، فندب للخطبة أبو صالح عبد الغفار بن الحراني الوراق عوضاً منه فقام مقامه، وأقام أبو صالح عند خروج الناس بطرسوس لعلة منعته من الحركة بها توفي، وما زال أبو صالح يخطب مدة أيام منازلة نقفور إيانا، فلما انتهينا إلى الأيام التي وادعناه فيها للخروج عن طرسوس اعتل أبو صالح علة حالت بينه وبين الصلاة، واحتاج الناس في آخر جمعة جمعوها بطرسوس إلى خطيب، فسئل أبو الحسن ابن الفياض الصلاة، وقد كان عاد من مصر معذراً لم ينل في الوفادة ما تمنى من أرسله لها، فأبى وقال: ما أحب أن أكون آخر خطيب بطرسوس، وحضرت الصلاة فصلى بالناس يومئذ أبو ذر، رجل من أبناء طرسوس شيخ من أهل العلم كان سافر وغاب عن طرسوس عدة سنين، وعاد إلينا في تلك الأيام، فهو آخر من خطب على منبر طرسوس يوم الجمعة العاشر من شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، لأن خروج الناس كان عنها في يوم الأربعاء النصف من هذا الشهر في هذه السنة، وأقام المؤذنون في ذلك اليوم وأخذوا في الأذان فسهوا، فأقاموا، فرد عليهم فأذنوا، وقام أبو ذر فخطب، فلما أتى الدعاء للسلطان خطب للمعتضد ورد عليه فتمم خطبنه ونزل، فأقيمت الصلاة وكبر، وقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة الشمس وضحاها، وفي الركعة الثانية بسورة الحمد وسورة إذا زلزلت الأرض زلزالها، فلما سلم قام أبو عبد الله الحسين بن محمد الخواص قائماً في قبلة المسجد، واستقبل الناس بوجهه وقال، يا معشر أهل طرسوس، أقول فاسمعوا:
هذا المقام الذي كان يتلى فيه كتاب الله العظيم.
هذا المقام الذي كانت تعقد فيه المغازي إلى الروم.
هذا المقام الذي كان يصدر عنه أمر الثغور.
هذا المقام الذي كانت تصلى فيه الجمع والأعياد.
هذا المقام الذي يأوي إليه الملهوف بالدعوات.
هذا المقام الذي يزدحم عليه أهل الستر والسداد.