وخرجنا من حلب طالبين إنطاكية، وبين حلب وبينها يوم وليلة وبتنا في بلدة للروم تعرف بعم وفيها عين جارية يصاد منها السمك، ويدور عليها رحى، وفيها من الخنازير والنساء والعواهر والزنا والخمور أمر عظيم، وفيها أربع كنائس وجامع يؤذن فيه سراً، والمسافة التي بين حلب وإنطاكية عامرة لا خراب فيها أصلاً ولكنها أرض زرع للحنطة والشعير تحت شجر الزيتون، قراها متصلة ورياضها مزهرة ومياهها متفجرة يقطعها المسافر في بال رخي وأمن وسكون.

وإنطاكية بلد عظيم ذو سور وفصيل، ولسوره ثلثمائة وستون برجاً يطوف عليها بالنوبة أربعة آلاف حارس ينفذون من القسطنطينية من حضرة الملك يضمنون حراسة البلد سنة ويستبدل بهم في السنة الثانية. وشكل البلد كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل والسور يصعد مع الجبل إلى قلته فتتم دائرة، وفي رأس الجبل داخل السور قلعة تبين لبعدها من البلد صغيرة، وهذا الجبل يستر عنها الشمس فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية، وللسور المحيط بها دون الجبل خمسة أبواب، وفي وسطها بيعة القسيان وكانت دار قسيان الملك الذي أحيا ولده فطرس رئيس الحواريين، عليه السلام، وهو هيكل طوله مائة خطوة وعرضه ثمانون، وعليه كنيسة على أساطين، وكان يدور الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة للحكومة ومعلمو النحو واللغة.

وعلى أحد أبواب هذه الكنيسة بنجام للساعات يعمل ليلاً ونهاراً دائماً أثنتي عشرة ساعة، وهو من عجائب الدنيا، وفي أعلاه خمس طبقات: في الخامسة منها حمامات وبساتين ومعاصر حسنة تخرقها المياه، وعلة ذلك أن الماء ينزل عليها من الجبل المطل على المدينة، وهناك من الكنائس ما لا يحد كثرة، كلها معمولة بالفص المذهب والفضة والزجاج الملون والبلاط المجزع. وفي البلد بيمارستان يراعي البطريرك المرضى فيه بنفسه، ويدخل المجذمين الحمام في كل سنة فيغسل شعورهم بيده، ومثل ذلك يفعل الملك بالضعفاء كل سنة، ويعينه على خدمتهم الأجلاء من الرؤساء والبطارقة التماس التواضع. وفي المدينة من الحمامات ما لا يوجد مثله في مدينة أخرى لذاذة وطيبة لأن وقودها الآس، ومياهها تسعى سيحاً بلا كلفة. وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015