حسان فنهض إليهما وخدمهما وقبل أيديهما وأرجلهما و [مشى] بين أيديهما فقالا له: يا [هذا] قصدت البصرة فعضدناك، والأنبار فأعناك، وسنجار فساعدناك، والموصل فقويناك، وبغداد فنصرناك وقا [لا بأيديهما] يضمانها ويبسطانها [ما] معناه، فما آخر ذاك، وإلى (متى) ؟ يكررانه دفعات، فاستطرف ذاك، وجاء خبره بعد أيام [من] الرحبة بقتله وزوال أمره.
- 3 - (?)
حدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر قال: حدثني نصر الدولة أبو نصر ابن مروان صاحب آمد وميافارقين وتلك الثغور وكان ناظراً له إلى حين وفاته قال: كان بعض متقدمي الأكراد معي على الطبق فأخذت حجلة مشوية مما كان بينيدي فأعطيته إياها فأخذها وضحك، فقلت: مم تضحك؟ فقال: خير، فظننت أنه قد عاب عليّ ذلك، فألححت عليه ودافع عن الجواب حتى رفعت يدي وقلت: لا آكل شيئاً حتى تعرفني سبب ضحكك ما هو، فقال: شيء ذكرتنيه الحجلة، وذاك أني كنت أيام الشباب والجهالة قد أخذت بعض التجار في طريق وما كان معه من المتاع وقربته إلى لحف جبل فأردت قتله خوفاً على نفسي منه وان يعرفني من بعد ويطالبني ويعرضني للقبيح ويعترضني، فقال: يا هذا قد أخذت مالي وأفقرتني وأولادي فدعني أرجع إلى عيلتي فأكد عليهم، فلا تحرمهم مالي ونفسي، وبكى وسألني وتضرع إلي فلم أرق له شرهاً إلى ما كان معه، فلما أيس من الحياة، التفت إلى حجلتين على جبل وقال لهما: اشهدا لي عليه عند الله تعالى أنه قاتلي ظلماً. وقتلته، فلما رأيت الحجلة الآن ذكرت ذلك الرجل وحمقه في استشهاده الحجل عليّ، قال ابن مروان: فحين سمعت قوله اهتززت حتى لم أملك نفسي، وتقدمت بأخذه وكتفه ثم ضرب رقبته بين يدي، فلم آكل حتى رأيت رأسه مترأ بين يديه بعد ان قلت له: قد والله شهدت الحجلتان عليك عند من أقادك بالرجل وأخذ له بحقه منك.