منهما وبينهما، وحمي قلبي من الفكر، فكشفت رأسي وعدوت إلى الصباغ وقلت له: إذا مزجت اللون الفلاني باللون الفلاني أي شيء يخرج بينهما؟ قال: مسني، فقلت: هو مسن، زجراً وتخميناً، فخرج الحدس صحيحاً.
36 - (?)
عليّ بن محمد بن نصر الكاتب قال: اجتمعت به [أي بأحمد النهرجوري العروضي] بالبصرة في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وأنا في جملة أبي العباس ابن ماسرجيس، وسافرنا عنها إلى أرجان مع بهاء الدولة، وخرج النهرجوري معنا وأقام في مصاحبته، إلى أن تقلد أبو الفرج محمد بن عليّ الخازن بالبصرة في أواخر سنة اثنتين وأربعمائة، فعاد معه إليها، ثم وردتها في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة متصلاً بخدمة شاهنشاه الأعظم جلال الدولة بن بهاء الدولة وقد مات النهر جوري قبل ذلك بشهور، بعلة طريفة لحقته من ظهور القمل في جسمه عند حكه إياه، إلى أن مات. وكان شيخاًً قصيراً شديد الأدمة سخيف اللبسة وسخ الجملة، سيء المذهب متظاهراً بالألحاد غير مكاتم له، ولم يتزوج قط ولا أعقب، وكان قوي الطبقة في الفلسفة وعلوم الأوائل ومتوسطاً في علوم العربية، وعلمه بها أكثر من شعره، وكان ثلابة للناس هجاءً، قليل الشكر لمن يحسن إليه، غير مراع لجميل يسدى إليه، وأنشدني أشياء كثيرة من شعره ومنه:
من عاذري من رئيس ... يعد كسبي حسبي
لما انقطعت إليه ... حصلت منقطعاً بي فسمع ذلك أبو العباس أبن ماسرجيس فقال: هذا تدليس منه، وانا المقصود بالهجو، وإنما قال: من عاذري من وزير، وقد راقبني في تعبيره، فلما توفي النهرجوري حمل إلى أبي العباس مسوداته، فوجد فيها القطعة منسوبة إليه، فأخرجها ووقفني عليها وعرفني صحة حدسه فيه.