على اختياري وأراعيها له وأمرها مردود إلي، فرأيت يوما في جملة أجزاء منبوذة جزاء مجلدا بأسود قدر السكري، ففتحته وإذا هو جزء من ثلاثين جزءا من القرآن بخط أبي علي ابن مقلة، فأعجبني وأفردته وجعلت وكدي التفتيش عن مثله، فلم أزل أظفر بجزء بعد جزء مختلط في جملة الكتب إلى أن اجتمع تسعة وعشرون جزءا، وبقي جزء واحد استغرقت تفتيش الخزانة عليه عليه مدة طويلة فلم أظفر به، فعلمت أن المصحف ناقص، فأفردته ودخلت إلى بهاء الدولة وقلت: يا مولانا ها هنا رجل يسأل حاجة لا كلفة فيها، وهي مخاطبة أبي علي الموفق الوزير على معونته بينه وبين خصم له، ومعه هدية طريفة تصلح لمولانا قال: أي شيء هي؟ قلت: مصحف بخط أبي علي ابن مقلة، فقال: هاته وأنا أتقدم بما يريد، فأحضرت الأجزاء فأخذ منها واحدا وقال: أذكر وكان في الخزانة ما يشبه هذا وقد ذهب عني، قلت: هذا مصحفك وقصصت عليه القصة في طلبتي له حتى جمعته إلا أنه ينقص جزءا وقلت: هكذا يطرح مصحف بخط أبي علي؟ فقال لي: فتممه لي. قلت: السمع والطاعة، ولكن على شريطة أنك إذا أبصرت الجزء الناقص منها ولا تعرفه خلعة ومائة دينار، قال: أفعل، وأخذت المصحف من بين يديه وانصرفت إلى داري، ودخلت الخزانة أقلب الكاغد العتيق وما يشابه كاغد المصحف، وكان فيها من أنواع الكاغد السمرقندي والصيني والعتيق كل ظريف عجيب، فأخذت من الكاغد ما وافقني، وكتبت الجزء وذهبته وعتقت ذهبه، وقلعت جلدا من جزء من الأجزاء فجلدته به وجلدت الذي قلعت منه الجلد وعتقته، ونسي بهاء الدولة المصحف، ومضى على ذلك نحو السنة، فلما كان ذات يوم جرى ذكر أبي علي ابن مقلة فقال لي: ما كتبت ذلك؟ قلت: بلى قال: فأعطنيه، فأحضرت المصحف كاملا فلم يزل يقلبه جزءا جزءا وهو لا يقف على الجزء الذي بخطي، ثم قال لي: أيما هو الجزء الذي بخطك؟ قلت له: لا تعرفه فيصغر في عينك، هذا مصحف كامل بخط أبي علي ابن مقلة ونكتم سرنا؟ قال: افعل، وتركه في ربعه عند رأسه ولم يعده إلى الخزانة، وأقمت مطالبا بالخلعة والدنانير وهو يمطلني ويعدني، فلما كان يوما قلت يا مولانا: في الخزانة بياض صيني وعتيق ومقطوع وصحيح، فتعطني المقطوع منه كله دون الصحيح