في الأدلة الفروعية. وكنا نزور معه في بعض السنين قبر الإمام أحمد.
وسمعت الشيخ الإمام جمال الدين ابن الجوزي وقد رآه يقول له: أنت شيخنا. وأضر بعد الأربعين سنة، وثقل سمعه. وكان تعليقه الخلاف على ذهنه، وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه.
[قلت: وإلى يومنا هذا الأمر على ذلك، فإن أهل زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين: موفق الدين المقدسي، ومجد الدين ابن تيمية الحراني. فأما الشيخ موفق الدين فهو تلميذ ابن المني، وعنه أخذ الفقه. وأما ابن تيمية فهو تلميذ تلميذه أبي بكر محمد ابن الحلاوي] . وقد جمع بعض فضلاء أصحابه له سيرة طويلة، وهو أبو محمد عبد الرحمن بن عيسى البزوري الواعظ، وقفت على بعضها مما ذكره فيها.
وكان رحمه الله كثير الذكر والتلاوة للقرآن لا سيما في الليل، مكرماً للصالحين، محباً لهم، ليس فيه تيه الفقهاء ولا عجب العلماء، إن مرض أحد من تلامذته ومعارفه عاده، أو كانت لهم جنازة شيعها ماشياً غير راكب، على كبر السن وضعف البنية، زاهداً في الدنيا يقنع منها بالبلغة، وإذا جاءه فتوح أو جائزة من بيت المال وزعها بين أصحابه، وإن ناله منها شيء أعاده عليهم في غضون الأيام.
ولقد حدثني من أثق به من أصحابنا أنه جاءته صلة من بعض الصدور نحو أربعين ديناراً فرقها في يومه بين أهله وأصحابه، وما أخذ منها شيئاً، فلما كان آخر النهار قال لي: يافلان، لوكنا عزلنا من ذاك الذهب قيراطين للحمام، وكان قوته كل يوم قرصين، وربما لم يفنهما. وقال لي بعض أصحابه: إنه يستفضل منهما بعض الأيام ما يدفعه إلى السقاء. وكان معظم أدامه أن يشتري له برغيف ماء الباقلا، وما رأيته جعل عليه دهناً قط، راضياً بذلك مع قدرته. وكان يخدم نفسه بنفسه، لا يثقل على أحد من أصحابه، ولا يكلفهم شيئاً، اللهم إلا أن يعتمد على يد أحدهم في الطريق. ولقد كنا عنده يوماً جماعة من أصحابه، فأوذن بالصلاة