الخزانة، فردها ولم يأخذها. وكان أبو الفتح يدخل على أبي يزوره، وكان أبي فقيراً، وكان الفقيه يريد بذلك وجه الله وابتغاء مرضاته تبركاً بالفقراء وتواضعاً لهم وحسن ظن فيهم، مع جلالة قدره وعلمه، وكان كلما دخل على أبي ينشده:
يا بومة القبة الخضراء قد أنست ... روحي بروحك إذ تستبشع البوم
زهدت في زخرف الدنيا فأسكنك الز ... هد الخراب فمن يذممك مذموم وحدثني عنه رجل من فقهاء بغداد قال: سافر الشيخ أبو الفتح في طلب العلم إلى خراسان سفرة طويلة ثم رجع إلى بغداد وليس معه غير كتبه وثيابه، فوضعها في بيت من الخان، ثم دخل إلى شارعهم فدخل الدرب الذي كان أهله فيه، فجلس في مسجد وسأل عن أهله فأخبروه أنه لم يبق منهم في ذلك الدرب أحد، فجال مع الفقيه الذي هو قاضي الشارع، فتكلما في مسألة واختلفا فيها، فلما رأى خصمه على نفسه الغلبة وقهره الشيخ أبو الفتح بالحجة قال: والله لو أنك أبو الفتح ابن الصايغ ما سلمت إليك، فقال: يا أخي أنا أبو الفتح ابن الصايغ، فقام إليه واحترمه.
توفي أبو الفتح ابن أبي الوفاء بحران في سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
5 - (?)
وفي الأربعاء ثاني عشر ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمسمائة مات الشيخ الحافظ رضي الدين أبو الثناء حماد بن هبة الله بن فضيل الحراني، من أهل العلم والحديث، سمع من السلفي أبي طاهر وغيره، وسافر فغاب عن حران ستين سنة يتجر ويكتب الحديث، وألف لحران تاريخاً لمن دخلها ومن كان منها وبها من أهل العلم والحديث وغير ذلك.