شيئاً من الزرع، ولا يجسر أحد من هيبته على أن يدوس عرقاً من الزرع ولا يمشي فرسه فيه، ولا يقدر أحد من الأجناد يأخذ لفلاح علاقة تبن إلا بثمنها أو بخط من الديوان إلى رئيس القرية وإن تعدى أحد حاسبه عليها. وكان إذا بلغه عن جندي أنه تعدى على فلاح قطع خبزه وطرده، حتى عمر البلاد بعد خرابها وأحسن إلى أهل مملكته، وكان لا يبقي على مفسد. وأوصى ولاته بأهل حران وعماله، ونهى عن الكلف والمغارم والسخر والتثقيل على الرعية وأقام الحدود في بلاده، رضي الله عنه.
2 - (?)
وفي سنة539 نزل [يعني أتابك زنكي] على الرها، وفيها الإفرنج، فحصرها وأخذها بالسيف، سادس عشر جمادى الآخرة، وكانت أيام الشتاء والبرد، قال الشاعر:
أصبحت صفراً من بني الأصفر ... أختال بالأعلام والمنبر
دان من المعروف حال به ... ناء عن الفحشاء والمنكر
مطهر الرحب على أنني ... لولا جمال الدين لم أطهر فبلغ ذلك رئيس حران جمال الدين فضل الله أبا المعالي فقال: امحوا " جمال الدين " واكتبوا " عماد الدين " فبلغ ذلك أتابك عماد الدين فقال: صدق الشاعر، لولاك ما طمعنا فيها. وأمر عماله إذا جاءت جائحة في الغلة أن يأخذوا الخراج على قدرها، فكانوا يأخذون خراجاً، وتارة نصف خراج، وتارة ثلث خراج، وتارة ربع خراج، وتارة لا يأخذون شيئاً إذا أمحلت البلاد. وقسم الماء الذي لحران ثلاثة أقسام: قسماً للسلطان وقسماً للسايات، وقسماً لآبار حران ولخندق القلعة. فلما أخذ الرها نزل على البيرة وفيها الإفرنج، وذلك في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وجاءه الخبر من الموصل أن نصير الدين نائبه بالموصل قتل فخاف