وقد تكلف جماعة من العلماء المتأخرين بيان ما لم يرد الحافظ بيانه، فسدد كل سهما لكن في غير مرماه

وَقَدْ تَكَلَّفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيَانَ مَا لَمْ يُرِدِ الْحَافِظُ بَيَانَهُ، فَسَدَّدَ كُلٌّ سَهْمَاً لَكِنْ فِي غَيْرِ مَرْمَاهُ، وَجَالَ بَعْضُهُمْ لَكِنْ بَعِيدَاً عَنْ مَقْصِدِهِ وَمُبْتَغَاهُ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْوَاضِحَ الْمَفْهُومَ بِالْغَامِضِ الْمُبْهَمِ.

وممن أغار على أحكام التقريب من رفعاء الشيوخ وعقلائهم، فصرفها عن مقاصدها وغاياتها، وتصرف بالجور في تأويل دلالاتها

وَمِمَّنْ أَغَارَ عَلَى أَحْكَامِ التَّقْرِيبِ مِنْ رُفَعَاءِ الشُّيُوخِ وَعُقَلائِهِمْ، فَصَرَفَهَا عَنْ مَقَاصِدِهَا وَغَايَاتِهَا، وَتَصَرَّفَ بِالْجَوْرِ فِي تَأوِيلِ دِلالاتِهَا: الشَّيْخُ الْعَلاَّمَةُ أبُو الأَشْبَالِ أَحْمَدُ شَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ. فَقَدْ قَالَ فِي «الْبَاعِثِ الْحَثِيثِ» (ج1/219) بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَا فِي التَّقْرِيبِ مِنْ مَرَاتِبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: «وَالدَّرَجَاتُ – يَعْنِى الْمَرَاتِبَ - مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ.

فَمَا كَانَ مِنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، فَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ مِنَ الدَّرَجَةِ الأُولَى، وَغَالِبُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَمَا كَانَ مِنَ الرَّابِعَةِ، فَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ مِنَ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُحَسِّنُهُ التِّرْمِذِيُّ، وَيَسْكُتُ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ.

وَمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَمِنَ الْمَرْدُودِ، إِلاَّ إِذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ مِمَّا كَانَ مِنَ الْمَرْتَبَةِ الْخَامِسَةِ وَالسَّادِسة، فَيَتَقَوَّى بِذَلِكَ وَيَصِيْرُ حَسَنَاً لِغَيْرِهِ.

وَمَا كَانَ مِنَ السَّابِعَةِ إلَى آخِرِهَا، فَضَعِيفٌ عَلَى اخْتِلافِ دَرَجَاتِ الضَّعْفِ، مِنَ الْمُنْكَرِ إلَى الْمَوْضُوعِ» اهـ.

ثُمَّ خَتَمَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ أَحْكَامَهُ الشَّاذَّةَ الْفَاذَّةَ بِتَقْرِيرٍ عَجِيبٍ غَرِيبٍ، فَقَالَ: «وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ إِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ بِالْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ، وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً عِنْدَ جَمِيعِ النُّقَّادِ وَالأَئِمَّةِ، فَاعْتِبَارُهَا نِظَامَاً لِلنَّقْدِ فِي عِلْمِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لا يَخْفَى مَا فِيهِ!!» اهـ.

قُلْتُ: بَلْ الَّذِي لا يَخْفَى مَا فِيهِ هُوَ كِلامُ الشَّيْخِ أَبِي الأَشْبَالِ رَحِمَهُ اللهُ، لِمُبَاعَدَتِهِ عَنِ الإِنْصَافِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالاعْتِسَافِ. وَلَوْ رَدَّ الشَّيْخُ مَا تَكَلَّفَهُ وَعَانَاهُ إِلَى الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ، لَنَقَضَهُ بِرُمَّتِهِ، وَجَاءَهُ بِأَحْكَامٍ مُسَدَّدَةٍ مُحَرَّرَةٍ مُتْقَنَةٍ، كَمَا هِيَ لائَحِةٌ فِي تَهْذِيبِهِ، وَمَفْهُومَةٌ مِنْ تَقْرِيبِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015