ومن هنا كان المسلم الصادق الواعي أبر بوالديه من أي إنسان في الوجود.
ويسمو القرآن الكريم في تصوير مكانة الوالدين، وبسط الأسلوب الخلقي الراقي الذي ينبغي للمسلم أن يتبعه في معاملة والديه، إن تنفس بهما أو بأحدهما العمر، وبلغا مرحلة الهرم والشيخوخة والعجز، فيصل إلى الغاية التي ما عرفتها الإنسانية قبل أن تسطع شمس هذا الدين على الأرض:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (?).
إنه الأمر الرباني الخالد للمسلم في صورة قضاء حتمي، لا فكاك منه ولا معدل عنه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وإنه للربط المحكم بين عبادة الله وبر الوالدين، وفي ذلك رفع لقيمة الوالدين وإعلاء لشأنهما إلى حد لم يستطع الحكماء والمصلحون وعلماء الأخلاق بلوغ شأوه في يوم من الأيام.
ولا يكتفي سياق الآية برسم هذه الصورة الوضيئة السامية لبر الوالدين، بل يستجيش وجدان الرحمة والعطف والبر في نفوس الأبناء في تعبير وجداني رقيق ودود، يقطر رقة وسلاسة وأنسا: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا}، فهما إذا (عندك) في رعايتك وحمايتك وحفظك، وقد يكونان شيخين هرمين ضعيفين، فحذار حذار أن تنذ منك كلمة تذمر أو تململ أو ضيق: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}، بل يجب عليك أن تفكر طويلا في الكلمة الطيبة توجهها إليهما ليطيبا بها نفسا، ويقرا عينا: {وَقُلْ