ومن هنا كان المسلم التقي عادلا بين أولاده، لا يفضل أحدهم على الآخر في هبة أو نفقة أو معاملة، وبذلك تلهج ألسنتهم جميعا بالدعاء له، وتخفق قلوبهم بحبه، وتعمر نفوسهم ببره وإجلاله وإكباره.
وبهذه النفوس الطافحة بالبشر والرضا والقناعة والبر، يستطيع الوالد أن
يرقى بأولاده صعدا في مدارج المثل العليا والمكارم الإنسانية الرفيعة، فيغرس فيهم الأخلاق العالية من حب للآخرين، وحدب على الضعفاء، وصلة للأرحام، واحترام للكبير، ورحمة بالصغير، وارتياح لفعل الخير، ورغبة في إشاعة العدل بين الناس، وما إلى ذلك من مكلارم الأخلاق؛ ذلك أن الخير لا يندفع إلا من النفوس التي ارتوت منه، وفاقد الشيء لا يعطيه، وصدق من قال: ((الصلاح من الله، والأدب من الآباء)) (?).
إن الوالد المسلم الحصيف يعرف كيف يتسرب إلى نفوس أبنائه، ويغرس فيها الحكمة والخلق القويم، مستخدما في ذلك الأساليب التربوية الحكيمة، من قدوة مثلى محببة، وتبسط ومخالطة وحسن تعهد، ورحمة وتواضع وبشر، وحب واهتمام وتشجيع، وعطف ومساواة وعدل، ونصح وتسديد وإرشاد، في لين من غير ضعف، وشدة من غير عنف، وبذلك ينشأ الأولاد في جو كله بر ورعاية وحنان، ومثل هذا الجو لا بد أن يعطي أولادا أبرارا، أوفياء، صالحين، أسوياء الشخصية، مفتحي الأذهان، قادرين على العطاء، مهيئين لتحمل المسؤوليات. وهذا بدهي في كل أسرة تربت على مبادئ الإسلام، وتأدبت بأدب القرآن، وصدق الله العظيم: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً؟} (?).