تقدّم في ترجمة المعيطي وابن المكوي أن الحكم هذا كلفهما بتأليف الاستيعاب فألفاه وأجازهما على ذلك جائزة سنية وكانت مدة ولايته ستة عشر سنة وبويع لابنه هشام المؤيد وعمره تسع سنين واستوزر محمَّد بن أبي عامر الملقب بالمنصور المعافري ومعافر بطن من حمير وباشر هذا الوزير تدبير الملك بنفسه وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وكرم وبصيرة بالحروب ودين متين وكان عالماً متفنناً وله غير ذلك من الصفات الحميدة وسيرته مشهورة في التواريخ ومفردة بالتأليف واستمر على سيرته سبعاً وعشرين سنة وذكر في نفح الطيب كثيراً من غزواته وأخباره في الكرم والعفو والحلم وحسن الخلق ثم قال: وأخبار المنصور تشمل مجلدات، وتوفي في صفر سنة 392 هـ فقام بأمر الوزارة بعده ابناه فأولاً عبد الملك فجرى على سنن أبيه في السياسة والغزو وكانت أيامه أعياداً دامت سبع سنين ثم قام بالأمر بعده الابن الآخر عبد الرحمن وجرى على سنن أبيه وأخيه في الحجر على الخليفة هشام والاستبداد عليه ثم طلب من هشام أن يجعله ولي عهده فأجابه لذلك لتغلبه عليه وأحضر لذلك أرباب الشورى وأهل الحل والعقد وكتب عهده بذلك ثم سعى كثير من الأمويين وغيرهم في نقضه وأثاروا لذلك فتنة إلى أن قتلوا عبد الرحمن المذكور سنة 399 هـ ثم خلعوا الخليفة هشاماً وبايعوا غيره ثم أعيد هشام ثم فقد سنة 403 هـ وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة يطول ذكرها آل الأمر فيها إلى زوال ملكهم وافتراق كلمتهم وكل يوم يخلعون خليفة ويبايعون آخر إلى أن انقضت الدولة الأموية من الأرض سنة 428 هـ وانتثر سلك الخلافة بالمغرب وقام الطوائف بعد انقراض الخلائف متغلبين في كل ناحية ملك مستقل وتغلب بعضهم على بعض ولا حاجة بنا إلى ذكر أسمائهم ومن أشهرهم بنو عباد ملوك إشبيلية الذين منهم المعتمد بن عباد وعند ذلك استفحل أمر النصارى بالأندلس وجرت بعد ذلك أمور ستقف على بعضها إن شاء الله وهي مبسوطة في نفح الطيب وغيره. قال ولي الدين بن خلدون: إن دولة بني أمية بالأندلس لما فسدت عصبيتها من العرب استولى ملوك الطوائف على أمورها واقتسموا خطتها وتنافسوا وتوزعوا ممالك الدولة كل واحد منهم على مكان في ولايته وشمخ بأنفه وبلغهم شأن ملك العجم من الدولة العباسية فتلقبوا بألقاب الملك ولبسوا شارته لاستيلاء الترف عليهم ولذلك يشير ابن رشيق في قوله:

مما يزهدني في أرض أندلس ... أسماء معتصم فيها ومعتضد

ألقاب سلطنة في غير مملكة ... كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015