وكان عالماً نبيلاً أقام للعلم والعلماء سوقاً نافقاً واجتمع عنده من خزائن الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله. في غرائب الغرب لأبي عبد الله محمَّد كرد علي: كان للأندلسيين غرام بتسبيل الكتب على المطالعة ولهم خزائن كتب عامة وخاصة وكانت قرطبة أكثر بلاد الأندلس كتباً وأهلها أشد الناس اعتناء بخزائن الكتب صار ذلك عندهم من آلات التعين والرياسة فلا يكاد يخلو دار من خزانة فيها كتب قيِّمة وقد أنشأ الحكم الثاني عدة مكاتب للمطالعين فكان يرسل وكلاءه إلى المشرق يستنسخون الأسفار فما هو إلا أن يؤلف المؤلف تصنيفه حتى تستنسخ منه نسخ أو نسخة لتحمل إلى خليفة الأندلس ولا يفوت بلاده شيء من حركة العقول، وكانت دار كتبه تحتوي على أربعمائة ألف مجلد جاء فهرسها في أربعة وأربعين مجلداً ولطالما أجزل ملوك الأندلس الصلات لبعض مؤلفي الشرق والأندلس حتى يذكروا في مقدمتها أنهم ألفوها برسم خزائنهم، ومن المؤلفين مَن كانوا يرضون بذلك ومنهم مَن لا يرضون به يقصدون أن يكون لمن يستفيد منه. وكان للعلماء والمؤرخين والشعراء والأدباء في الأندلس مجامع عالمية وأدبية أشبه بالمجامع أو الأكاديميات في هذا العصر وذلك لنشر العلم والمعارف ومفاوضة الحكمة بينهم فنتج من اجتماعهم فوائد مهمة للعلم والمدينة وكان المظفر بن الأفطس صاحب بطليوس من أعلم الملوك بالأدب وله التصنيف المترجم بالتذكرة والمشتهر بالكتاب المظفري في خمسين مجلداً في الفنون والعلوم واستأدب لبنيه أبا عبد الله بن يونس وكان يحضره وأبا الحزم بن عليم وأمثالهما للمذاكرة والمباحثة فيفيد ويستفيد وكان لأبي عامر أمير الأندلس في دولة هشام المؤيد مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته وقد أنشأ الحكم مجمعاً وقلّده غيره من أمراء الأندلس فأنشأوا مجامع لهم وأنشأ أحمد بن سعيد النصري مجمعاً في طليطلة فكان يجتمع عنده أربعون عالماً من طليطلة وما جاورها ثلاثة أشهر في السنة، يعقدون اجتماعاتهم في ردهة فرشت أحسن فرش يبدؤون عملهم بقراءة آيات من الكتاب العزيز ثم يتذاكرون في تفسير ما قرأوا ويأخذ بهم الاستطراد إلى البحث في فنون شتى في العلم والحكمة اهـ.

وقال ابن حزم: عدد الفهرسات التي فيها أسماء بعض الكتب أربع وأربعون فهرسة كل فهرسة ست وعشرون ورقة ليس فيها إلا أسماء الدواوين وأما غير الدواوين من سائر فنون العلوم فشيء كثير قيل إن كتبه كانت أربعمائة ألف مجلد قلما يوجد كتاب منها إلا وله فيه قراءة ونظم ومكتوب على هوامشه خطه. ولما ألف أبو الفرج الأصبهاني كتابه الأغاني بعث للحكم نسخة فاجازه بألف دينار وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015