وقتله غلامان من غلمانه غدراً وكان يثق بهما بإغراء من ابنه أبي منصور زيادة الله في شعبان سنة 290 هـ وبويع لابنه أبي منصور المذكور وإذ ذاك نار دواعي الشيعة تأكل أطراف مملكته حتى استولى عليها شيئاً فشيئاً بعد حرب كانت الهزيمة فيها عليه سنة 296هـ ورحل عقب الهزيمة إلى المشرق بما خف من الأموال ونفيس الجواهر وتوفي بتلك الجهة سنة 303 هـ وجرى له ما جرى فكانت عاقبته كما ترى لعقوقه والده وقتله إياه وانقرضت بانقراضه دولة بني الأغلب ومدتها مائة سنة واحد عشر سنة وثلاثة أشهر، وفي مدتهم استقل المغرب الأقصى وصار في تملك الأدارسة في أخبار طوال وأولهم إدريس بن عبد الله واستفحل أمره في تلك البلاد وأسس مدينة فاس وأخبار المغرب الأقصى من عهده إلى هذا العهد مبسوطة في الاستقصى وغيره. واعلم أن ولاة إفريقية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا على السذاجة همهم الجهاد ودخول الناس في الدين الإِسلامي وحفظ ما فتحوه ولما آل الأمر إلى بني الأغلب اشتغلوا أيضاً بالحروب والفتوحات وجمع العساكر النافعة مع ما فيهم من السذاجة العربية والبُعد عن عزة الملك وأخلاق الحضارة فكانت قضاتهم يحكمون عليهم وينصفون الناس منهم ومن غيرهم وأخبار قضاة العدل مذكورة مضافة ومستقلة مع تقدم في إحياء العلوم والصنائع والتجارة والفلاحة. في خلاصة تاريخ العرب أدخل الأغالبة في الأقاليم الإفريقية جميع مبادئ التمدن الإِسلامي التي كانت بالشام والعراق وأخذوا يقيمون في تونس والقيروان وطرابلس فامتلأت تلك المدن مباني أبدت للناظرين الأقواس المادة والدعامة المزخرفة على حسب مبنى العمارة الروماني وبنوا قناطر على مجاري سيول سريعة التيار واجتهدوا في إحياء العلوم والصنائع والتجارة والفلاحة وأنشأوا مراكز تجارية سهّلت مخالطة سكان الصحراء بسكان السواحل وجددوا طرقاً أبدوا فيها الأمن وجعلوا نظارة محل البريد في أيدي أعيان البلاد ورتبوا بتلك المحال إبقاء التواصل التام بواسطة السعاة والبريد الخيلي من ابتداء حدود المغرب إلى حدود مملكة مصر وعمروا سفناً يحرية حكموا بها على البحر الأبيض المتوسط وغزوا سواحل مملكتي إيطاليا وفرنسا وجزائر قرقسه وسردانيا وسيسليا وبالغ مؤرخو الفرنج في الحكايات المتعلقة بتلك الغارات واستولوا على مقاطعات كثيرة ومدن شهيرة ثم ذكرها مدينة مدينة تركنا إيرادها هنا اختصاراً. ثم قال: وبالجملة أجاد العرب في ترتيب وتقسيم تلك البلاد وقدموا فيها الفلاحة والصنائع ونقلوا إليها شجر القطن من الشام وقصب السكر من طرابلس الغرب ولسان عصفور الفستق واستخرجوا ما فيها من معادن الفضة والحديد والنحاس والكبريت والملح الأندراني والمباني الموجودة منها في ضواحي بالرمة