فامتثل أبو محرز وكان فاضلاً ورعاً فصيح اللسان بصيراً باللغة والشعر. أخذ عن مالك وكان يميل لمذهب أبي حنيفة ثم وقع تشريك أسد بن الفرات معه في القضاء ولم يعهد مثل ذلك في مصر واحد. وتوفي أبو محرز سنة 214 هـ وكان هذا الأمير يقول: ما أبالى إن قدمت عليه يوم القيامة وفي صحيفتي أربع حسنات تجديد جامع القيروان وبناء قنطرة أبي الربيع وحصن مدينة سوسة وولاية أبي محرز قضاء إفريقية. وكانت ولاية أسد بن الفرات القضاء سنة 204 هـ بعهد من زيادة الله. وأسد هذا مولده سنة 142هـ بحران من ديار بكر. رحل به والده وعمره عامان مع الجند العربي لقيادة ابن الأشعث ودخل معه القيروان سنة 146هـ، ثم دخل تونس وانقطع لقراءة القرآن وعلومه وروى الموطأ عن ابن زياد، وفي الثامن عشر من عمره رحل للمشرق وأقام بالمدينة مدة وأعاد رواية الموطأ على مالك، ثم رحل للعراق ولقي أعلاماً من أصحاب أبي حنيفة منهم الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأخذ عنهما علماً غزيراً، ثم رحل لمصر ولقي جماعة من أعيان العلماء منهم الإِمام عبد الرحمن بن القاسم فلزمه مدة وهناك ألّف الأسدية ثم قفل راجعاً للقيروان وبها انتشر ذكره وظهر علمه وارتفع قدره وفي سنة 212هـ جمع زيادة الله جيوشه وأسطوله لغزو صقلية وكان أمير هذا الجيش وقاضيه أسد المذكور فخرج في حفل عظيم وجمع فخيم من أهل العلم ووجوه الناس لمشايعته. ولما رأى أسد الناس خاصتهم وعامتهم بين يديه وخلفه قال بعد حمد الله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يا معشر الناس، والله ما وليَ لي أب ولا جد ولاية قط ولا أحد من سلفي رأى هذا قط. وما رأيت ما ترون إلا بالأقلام فاجهدوا أنفسكم وأتعبوا أبدانكم في طلب العلم وتدوينه واصبروا على شدته فإنكم تنالون به خيري الدنيا والآخرة. وهذا الاحتفال انتهى بمرسى سوسة ومنها أقلع الأسطول قاصداً صقلية ودخلها بعد مكابدة مشاق وحصل له فتح عظيم بها. ومات أثر جراحات في حصار سرقوسة ودفن بذلك الموضع سنة 213 هـ. في كتاب الاعتصام نص كتاب بعثه أسد بن موسى إلى أسد بن الفرات يشكره على اتباعه للسنة والذب عنها وطعنه في المبتدعة. وقال في خاتمته: ادع إلى السنة حتى يكون لك في ذلك ألفة وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حادث فيكونون أئمة بعدك فيكون لك ثواب في ذلك إلى يوم القيامة- كما جاء في الأثر- فأعمل على بصيرة ونية حسنة فيرد الله بك المبتدع والمفتون الزائغ الجائر فتكون خلفاً عن نبيك - صلى الله عليه وسلم - فأحي كتاب الله وسنة نبيه فإنك لن تلقى الله بعمل يشبهه.
تنبيه: من أعيان العلماء المعاصرين لهؤلاء الأَّمراء ابن فروخ وابن غانم وأبو محرز والبهلول بن أشد وأبو الحسن بن زياد وأسد بن الفرات.