المجتهدين على اختلاف مذاهبهم من أصحاب مالك والشافعي وظهرت حركة علمية ونمت نمواً عظيماً بما كان من وصول المدنيات القديمة التي ترجمت كتبها إلى رؤوس المفكرين من العرب وأول مَن اهتم بذلك أبو جعفر المنصور ثم جاء دور ثان على عهد المأمون فبلغ العلم إلى أرقى درجاته وكان مغرماً جداً بالآداب اليونانية فانتشرت تلك الكتب انتشاراً عظيماً وصار ما فيها عاملاً مهماً في تكوين معلومات كثيرة صناعية وفي هذا الدور ازداد حفاظ القرآن واشتهروا في جميع الأقطار إلا أن المسلمين في كل قطر اعترفوا بالتبريز للقراء السبعة المترجم لهم في المقدمة وهذا الدور كان عصراً مجيداً للسنة فقد تنبه رواتها إلى وجوب تصنيفها وتدوينها وقد وجدت هذه الفكرة في جميع الأمصار الإِسلامية في أوقات متقاربة فكان من مدونيها في الدور الأول مالك بن أنس.
تنبيه: من أعيان علماء الدين وأئمة المسلمين في عصر هؤلاء الخلفاء إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه.
اعلم أن هارون الرشيد عهد بولاية إفريقية لإبراهيم بن الأغلب، فباشر أمرها واشتغل بها، وصارت وراثة في عقبه، وكان فقيهاً أديباً شجاعاً أريباً حافظاً للقرآن عارفاً به، سمع الليث بن سعد فمهّد الأمور وطوّع البربر وكانت له معهم وقائع مشهورة ووقائع بالمغرب الأقصى مع أهل الدعوة لإدريس العلوي مؤسس فاس. وتوفي هذا الأمير سنة 196 هـ وبويع لابنه أبي العباس عبد الله. وكان سيىء السيرة. وتوفي سنة 201 هـ وبويع لأخيه زيادة الله بن إبراهيم وكان ملكاً جليلاً فصيحاً أديباً، وهو الذي شيّد جامع القيروان وبنى سور سوسة ووجّه له المأمون بعهد الولاية سنة 203 هـ وتوفي سنة 223 هـ. وبويع لأخيه أبي عقال الأغلب بن إبراهيم وكانت سيرته حسنة وله فتوحات بصقلية، وتوفي سنة 226 هـ.
لما توفي القاضي أبو محمَّد عبد الله بن غانم سنة 191 أشخص إبراهيم بن الأغلب أبا محرز محمَّد بن عبد الله الكناني وقال له: إني عزمت على توليتك القضاء. فقال له أبو محرز: لست أصلح لهذا ولا أطيقه، فقال له إبراهيم: لو كان الأغلب بن سالم ويزيد بن حاتم باقيين لم أكن أميراً، ولو كان عبد الله بن غانم وابن فروخ باقيين لم تكن أنت قاضياً، ولكل زمان رجال، وعلى الأمير الاختيار.