كلها عبث وباطل إذ غايتها الموت والفناء والله سبحانه وتعالى يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] فالمقصود منهم إنما هو دينهم المفضي بهم إلى السعادة في آخرتهم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، فجاءت الشرائع تحملهم ذلك في جميع أحوالهم من عبادة ومعاملة حتى في الملك الذي هو طبيعي في الاجتماع الإنساني فأجرته على منهاج الدين ليكون الكل محوطاً بنظر الشارع. وقال في فصل الخطط الدينية: تبين أن حقيقة الخلافة نيابة عن صاحب الشرع في حفظ الدين وسياسة الدنيا فصاحب الشرع يتصرف في الأمرين أما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية الذي هو مأمور بتبليغها وحمل الناس عليها، وأما في سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشري وهو ضروري للبشر وأن رعاية مصالحه كذلك لئلا يفسد إن أهملت اهـ.
إذا علمت ذلك وظهر لك هنالك علمت علم اليقين أن بين القضاة والعلماء والملوك والأمراء وأهل الرئاسة وأرباب السياسة الارتباط الشرعي الذي هو في سياسة الملك مرعي وقد ذكرنا في المقصد بعض أعيان الفريق الأول وبقي علينا ذكر البعض من الفريق الثاني الذين عليهم في إدارة الملك المعول في تتمة أذكر فيها أئمة أعيان الأعيان مرجوعاً إليهم في كل مهمة حيث كانوا رجال علم وأدب وهمم سامية كأسد بن الفرات وسحنون وسعدون الخولاني وأضرابهم من عظماء الرجال الذين تركوا ثناءً عاطراً وذكراً خالداً وهم في الحقيقة كالوزراء لمعاصريهم من الملوك والأمراء منتخبون من طبقات المقصد على مقتضى ترتيبها بألطف إشارة وأفصح عبارة تمهيداً لذكر معاصري كل طبقة منها من الملوك والأمراء في قطر إفريقية وذكرهم كذلك خلاصة نقية وتمهيداً لتنبيهات مهمة جديرة بالاعتبار عند ذوي الأنظار يعلم منها سيرة السلف وما آل إليه أمر الخلف من زمن البعثة إلى هذا الوقت، فبعضهم ارتكب ما يؤدي إلى الخسران والخذلان والمقت وبعضهم مستور الحال وبعضهم جمع الفضائل ونسجها على أحسن منوال وهذا في الحقيقة من الطراز الأول وعليه في أمور الدين والدنيا والمعول وتعلم ما حصل لتلك الأجيال في القرون الخالية من الحوادث والأحوال كبسط النعم وسلبها وما حصل في ذلك من الأطوار والأدوار وكيفية انتشار مذهب مالك بإفريقية وغيرها من الأقطار والأمصار وانتشار العلوم واتساعها وانحطاطها في بعض الجهات وانقطاعها، ومن المعلوم أن العلوم والمعارف لا تنمو وتتسع والتقلب في النعم لا يسمو ويرتفع إلا بعد الأمن والاطمئنان ومد رواق الراحة والعافية وما يؤدي إلى العمران وجمع الكلمة وبسط العدل وارتكاب الفضائل واجتناب الرذائل وعدم الغفلة عن الله وما هو عنا بغافل.