بخصوصها في الصلاة دون غيرها ووجوب الاعتدال والسجود على السبعة أعضاء وغير ذلك من سائر الأبواب فامتحن بهذا الميزان جميع الآيات والآثار والأخبار وما انبنى على ذلك من أقوال المجتهدين والمقلدين لهم إلى يوم الدين في سائر أبواب العبادات والمعاملات والمناكحات والحدود والجنايات والدعوى والبينات تجد كل دليل أو قول لا يخرج عن هاتين المرتبتين كما مر فما دخل الخلاف والنزاع بين أهل المذاهب ومقلديهم إلا من شهودهم أن الشريعة إنما جاءت على مرتبة واحدة وأن المصيب واحد في نفس الأمر من أصحاب تلك الأئمة أو الأقوال والباقي مخطئ وربما استدلوا على وقوع الخطأ بحديث "من اجتهد وأخطأ فله أجر" وهو لا يصلح دليلاً لأن المراد أخطأ الحديث الوارد عني بعد التتبع فلم يجده لا أنه أخطأ في عين الفهم إذ لو صحّ خطأه في عين الفهم لخرج عن الشريعة وإذا خرج فلا أجر فافهم فالحق الذي نعتقده أن الشريعة جاءت على مرتبتين كما قررنا ولو كانت جاءت على مرتبة واحدة إما تخفيف فقط أو تشديد فقط لكانت عذاباً في قسم التشديد ولم يظهر للدين شعار في قسم التخفيف والتسهيل وقد جاءت بحمد الله رحمة للخلق وإظهاراً لشعار الدين ثم قال: فمَن دخل لفهم الشريعة من باب هذا الميزان ارتفع الخلاف عنده من الشريعة جملة ورأى جميع علماء الشريعة في بحرها يسبحون لاستمدادهم كلهم من عين الشريعة وقرر جميع أدلة المجتهدين وأقوالهم ولم يجد شيئاً من أداتهم ولا أقوالهم خارجاً عن الشريعة المطهرة وعلم أن مجموع المذاهب هي بعينها الشريعة ومن لم يدخل لفهم الشريعة من هذا الباب نقض علمه بالشريعة وفاته خير كثير لأن كل حديث لم يأخذ به إمامه يترك العمل به والمذهب الواحد بلا شك لا يحتوي على كل أحاديث الشريعة إلا إن قال صاحبه إذا صح الحديث فهو مذهبي فيدخل في مذهبه كل حديث استدل به مجتهد من المجتهدين وقد ثبت عن الشافعي ذلك وهذا مشرب ما رأيته لأحد من العلماء إلى وقتي هذا وقد أخبرني الهاتف عليه السلام أن هذا الميزان لم يظفر به أحد من التابعين ولا أحد من الأئمة المجتهدين بدليل ما نقل عن التابعين من الخلاف وما نصبه المجتهدون بينهم من المناظرات وردهم لأقوال بعضهم بعضاً بالحجج التي قامت عندهم ولو علموا هذا الميزان لم يقع بينهم خلاف لحمل كل واحد منهم كلام صاحبه على مرتبة من إحدى مرتبتي الشريعة اهـ ببعض اختصار.