كالفروع والأغصان. وكل مَن شهد تناقضاً في أخبارها أو خطأ في أقوال علمائها فإنما هو لقصوره عن درجة العرفان. فإن الشريعة قد جاءت على مرتبتين تخفيف وتشديد ولكل منهما رجال لا على مرتبة واحدة كما سيأتي في الميزان. ومن عسر عليه الجمع بين حديثين منها أو قولين من أقوال علمائها فليجعل المائل إلى الاحتياط منهما في مرتبة الأولوية والمائل إلى الرخصة في مرتبة خلاف الأولى يطلع على ما قلناه من أعطي الفرقان. ثم أتى على الميزان المشار إليها فقال: بيان ميزان نفيسة، يشرف الإنسان بها على تقرير جميع أدلة الشريعة، وما انبنى عليها من أقوال المجتهدين إلى يوم الدين. وذلك أن تعلم يا أخي أن الشريعة المطهرة جاءت عامة وليس مذهب بها أولى من مذهب، مَن ادعى تخصيصها بما ذهب إليه إمامه من المقلدين فقد أتى باباً من الكبائر، وخطأ الأئمة أو ضعف أدلتهم بالرد تارة وبالقول بالنسخ تارة وبجرح الرواة لها تارة نسأل الله العافية. ولا تخرج يا أخي من هذه الورطة إلا أن تقول بصحة كل حديث أو أثر استدل به إمام من الأئمة لمذهبه كائناً ذلك الإِمام من كان، فإنه لولا ما صح عنده ما استدل به وكفانا صحة ذلك الحديث أو الأثر استدلال مجتهديه ولا يقدح فيه تجريح غيره من المحدثين المجتهدين من طريق روايتهم فإذا تقرر عندك أدلة الشريعة كلها على هذا الطريق ثم خفت تعارضها رجعها كلها إلى مرتبتين عزيمة ورخصة يرتفع التعارض والخلاف عندك من الشريعة إن شاء الله تعالى, لأن الشريعة لا تخرج عن هاتين المرتبتين أبداً. لأن الحديث إما أن يكون الحكم المحتوي عليه مائلاً إلى العزيمة والاحتياط وإما أن يكون مائلاً إلى الرخصة والتخفيف عن ضعفاء الأمة ولكل من المرتبتين رجال في حال مباشرة الأعمال فمن قوي منهم خوطب بالتشديد وحكم عليه به في الحقوق ونحوها، ومن ضعف منهم خوطب بالرخصة فلا يكلف الضعيف بالصعود لمرتبة الأقوياء ولا يؤمر القوي بالنزول لمرتبة الضعفاء, سواء كان ذلك المأمور به مندوباً أو واجباً ويوضح لك ذلك في أقوال المذاهب أن تجعل كل ما شرطه مجتهد بطريق الاستنباط في مرتبة الأولوية والاحتياط وتجعل مقابله من كلام المجتهد الآخر في مرتبة خلاف الأولى لا غير مع القول بصحة القولين وموافقتهما للشريعة وذلك كاشتراط النية في الطهارة واشتراط الطهارة بالماء الذي لم يستعمل ووجوب التسمية على الوضوء ووجوب المضمضة والاسثنشاق ووجوب الترتيب والموالاة وكنقض الوضوء بلمس المرأة ولو محرماً ومس الذكر وبخروج الدم والقيء والقهقهة وكقراءة الفاتحة