وعارضه صاحبه فأمرته أن يحرك أخرى وما زالت الحركات بينهم تترى حتى هزمهم الأمير وانقطع التدبير فقالوا ما أنت بصغير. وكان في أثناء الحركات قد ترنم ابن عم الأمير منشداً:
وأحلى الهوى ما شك في الوصل ربه ... وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقى
فقال: لعن الله أبا الطيب أو يشك الرب. فقلت له في الحال ليس كما ظن صاحبك أيها الأمير إنما أراد بالرب هنا الصاحب يقول ألذ الهوى ما كان المحب فيه من الوصال وبلوغ الغرض من الآمال على ريب فهو في وقته كله بين رجاء لما يؤمله وتقاة لما يقطع به كما قال:
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
وأخذنا نضيف إلى ذلك من الأغراض في طرفي الأبرام والانتقاض ما حرك منهم إلى جهتي داعي الانتهاض وأقبلوا يتعجبون مني ويسألونني عن سنى ويستكشفونني عني فبقرت لهم حديثي وذكرت لهم نجيتي وأعلمت الأمير بأن أبي معي فاستدعاه وقمنا الثلاثة إلى مثواه فخلع علينا خلعه وأسبل علينا دمعه وجاء كل خوان بأفنان الألوان، ثم قال بعد المبالغة في وصف ما نالهم من إكرامه فانظر إلى هذا العلم الذي هو إلى الجهل أقرب من تلك الصبابة اليسيرة من الأدب كيف انقض من العطف وهذا الذكر يرشدكم إن عقلتم إلى المطلب وسرنا حتى انتهينا إلى ديار مصر اهـ. مختصراً. والزول العجب ونجيت المخبر ما ظهر من حديثه. يقال بدا نجيت القوم إذا ظهر سرهم الذي كانوا يخفونه. قالهما الجوهري.
445 - وفي هذه الرحلة لقي ابن العربي صاحب الترجمة شيخه دانشمند الأكبر وهو إسماعيل الطوسي، ودانشمند الأصغر وهو أبو حامد محمد الغزالي الطوسي ومعنى دانشمند بلغة الفرس عالم العلماء، وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير يحكي لنا عن شيخه أبي محمد عبد الله العبدوسي أنه بلغه أن الفرس يفخمون ميم دانشمند. قال ابن العربي في قانون التأويل وورد علينا دانشمند يعني الغزالي فنزل برباط أبي سعيد بإزاء المدرسة النظامية معرضاً عن الدنيا مقبلاً على الله تعالى فمشينا إليه وعرضنا أمنيتنا عليه، وقلت له: أنت ضالتنا التي ننشد وإمامنا