((تكثرن اللعن وتكفرن العشير)) (?) ولكن عبقرية عائشة (ض) جمعت بين هذين الوصفين بأتم وجه وأكمل صورة، وقد مر بنا سابقا أنها عاشت حياتها في كنف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثبتت على شظف العيش وعسره وقسوته، ولم يسمع على لسانها كلمة شكوى قط، ورغم أنها كانت تشاهد ما يرد بيت المال من الخزائن والأموال والخيرات بالكثرة الكاثرة لكنها لم تتقدم قط بأي طلب لزيادة نفقة ولم يخطر على بالها، وعاشت حياتها حياة زهد وقناعة، لم تتيسر لها الملابس القيمة والمجوهرات الثمينة الغالية، والقصور الفاخرة الفخمة والنعم اللذيذة، والعيش الرغيد الهنيء.
يقول مسروق: دخلت على عائشة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعت لي بطعام وقالت: ما أشبع من طعام فأشاء أن أبكي إلا بكيت، قال: قلت: لم؟ قالت: ((أذكر الحال التي فارق عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدنيا، والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في يوم)) (?). كانت (ض) محرومة من نعمة الأولاد، فكانت تربي أولاد المسلمين واليتامى منهم، تلي أمورهم وترعاهم وتعلمهم وتقوم بواجب زواجهم.
كانت (ض) حرم بيت النبوة وزوجة أعظم وأرفع رجل - صلى الله عليه وسلم -، فكان لديها شعور كامل بعظم هذه المسؤولية، ولذا فإنها تهتم كل اهتمام بأداء هذه المسؤولية والقيام بها خير قيام، وكلما تأتيها امرأة لحاجة تمد إليها يد العون والمساعدة، وتقضي حاجتها، وتعرض قضاياها على الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (?).